تونس | كان الأحد الماضي يوماً أسود على المسرح في تونس بعد الاعتداء الذي تعرض له المسرحيون أمام خشبة «المسرح البلدي». بعد أسبوع على هذا الاعتداء، أعلن مثقفون وفنانون تونسيون الأول من نيسان (أبريل) يوماً وطنياً لنصرة الثقافة في صفحة أنشأوها على فايسبوك. ودعا هؤلاء إلى الاحتفال بهذا اليوم في مسيرة احتجاجية ضد الاعتداء على المسرحيين في شارع الحبيب بورقيبة. المنظّمون دعوا أيضاً الفنانين والمواطنين إلى المشاركة مع آلاتهم الموسيقية،
وأزيائهم المسرحية والتنكرية، لتقديم عروض مسرحية في الشارع، وإلقاء الشعر، والعزف والغناء، وتبادل الكتب. يأتي هذا بعدما أصدرت وزارة الداخلية بلاغاً رسمياً تمنع فيه أي نوع من أنواع التظاهرات في شارع الحبيب بورقيبة حتى الفنية منها. وأمس، رفضت الوزارة منح ترخيص لـ«مسرح الحمراء» (عز الدين قنون) للاحتفال بيوم الأرض.
القضيّة مرشّحة للتفاعل مع قرار الوزارة المستجد الذي جاء للحؤول دون تكرار ما حدث الأسبوع الماضي حين نظّمت «جمعيّة خريجي معاهد الفنون الدرامية» و«اتحاد الممثلين المحترفين» عروضاً في شارع الحبيب بورقيبة في مناسبة «يوم المسرح العالمي»، إضافةً إلى عرض على مدارج «المسرح البلدي» بمشاركة طلبة «المعهد العالي للفنون الركحية». حينها، حصلت جمعيات إسلامية على رخصة من وزارة الداخلية للتظاهر في التوقيت والشارع نفسيهما. هكذا التقى الفنّانون والسلفيون وجهاً لوجه وسط حضور أمنيّ مستقيل. عناصر الشرطة كانت قليلة، وحاولت أن تشكل ما يشبه حزاماً فاصلاً بين فنانين جاؤوا محتفلين، وبين ملتحين رفعوا شعارات «الجهاد». هذا الحزام كان سهل الاختراق من المجموعة السلفية (أكثر من ثلاثة آلاف) التي قامت بالاعتداء اللفظي والجسدي على الفنّانين والجمهور الآتي لمتابعة العروض. إلى جانب عبارات الشتم والتكفير، قُذف المسرحيون ومن معهم بالبيض، وقوارير المياه، والأحذية. حتّى أنّه تمّ تفكيك دراجة ناريّة، وإلقاء قطعها على جمهور المسرح... اللافت أنّ المجموعة السلفيّة كانت مسلّحة بالسلاسل والسكاكين ومفكات البراغي، فيما كان المسرحيون عزّلاً وأتى ردّهم بالنشيد الوطني وبرفع شعارات مثل «فنّ، حريّة، كرامة وطنيّة» و«الشعب يريد مسرح للجميع». في هذه المواجهة العنيفة، كان حضور الأمن صورياً. هو لم يحاول حماية الفنّانين وتفريق المعتدين. حتى أنّ أحد عناصر الأمن طلب من أحد المسرحيين إخفاء العلم الوطني، مدعياً أنّه «يستفزّ السلفيين!» هذا الموقف السلبي، أدّى إلى تمادي السلفيين أكثر. حاولوا اختراق مجموعة الفنانين، والدخول معهم في مواجهة جسديّة مباشرة. ازاء ذلك، أجبر رجال الشرطة الفنّانين بالقوّة على دخول المسرح الوطني، مهدّدين بتعنيفهم إن لم ينصاعوا لأوامرهم، في تصرّف يشي بوجود تواطؤ بين الشرطة والمجموعات السلفيّة. إلا أنّ الضحية التي عوملت كجلاد لم تسلم حتّى داخل بناية المسرح التي أراد السلفيون اقتحامها، مهددين «بالقتل والذبح». بعد وقت من عمليّة استعراض القوى، قام السلفيّون بلم مجموعاتهم وغادروا. عندها استطاع الفنّانون الخروج ثانية إلى الشارع وجعل العروض المسرحية المبرمجة لـ«يوم المسرح العالمي» مجانيّة. أمام هذا الحادث، وجد المسرحيون التونسيون أنفسهم أمام ضرورة القيام بردّ فعل شديد.
هكذا، قرر منظّمو التظاهرة الاعتصام في قاعة الفن الرابع التابعة للمسرح الوطني، تواصلت من مساء الاثنين 26 آذار (مارس)، حتى العاشرة صباح الثلاثاء 27 منه، أي الموعد الذي أعلنه وزير الثقافة مهدي مبروك لالقاء خطاب وتكريم للمسرحيّين في القاعة المذكورة. وعند انطلاق الاعتصام، فوجئ الجميع بحضور الوزير جالباً معه بياناً تنديدياً موقّعاً باسمه، مقترحاً الخوض في نقاش مع المعتصمين الذين طالبوه باعتذار رسمي من الحكومة مع الالتزام بضمان حرية التعبير والابداع إضافة إلى اقتراح تخصيص فصل في الدستور، لضمان الحريات الفنية والثقافية. كذلك طلبوا منه تكذيباً للبلاغ الصادر عن وزير الداخلية علي العريض (حركة النهضة) الذي قال فيه إنّ الأمن قام بدوره على أكمل وجه، وإنّ «كلتا التظاهرتين قد تمتا بكل سلام وأمان». ولم يتردّد بعض المسرحيين في مطالبة وزير الثقافة بالاستقالة من الحكومة على اعتبار أنّه حقوقي «مناصر لأهل الثقافة ومدافع عن الحريات»، كما يردد في معظم تصريحاته.