ينطلق الليلة «المهرجان الدولي الثاني عشر للموسيقى التجريبية في لبنان». هذا الموعد الذي انطلق عام 2001، يركّز هذه السنة على الارتجال ضمن نوعين موسيقيين نقيضين: الكلاسيك المعاصر، والالكترونيك المعاصر. بين «مترو المدينة»، و«مركز بيروت للفن»، وحانة «يوكونكون» في الجميزة، وصالة «متروبوليس أمبير صوفيل»، ستجمع التظاهرة الضخمة موسيقيين من أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، وأستراليا.
بعد 12 دورة، تستحقّ تجربة «ارتجال» وقفة تحليلية، خصوصاً أنّ جزءاً كبيراً من المتابعين للحركة الثقافية لا يعترفون بمشروعيّة «التجريبي» أو «المعاصر» أو «الارتجالي» على الساحة العربيّة، رغم أنّ التجارب المماثلة تلقى احتضاناً شعبياً ونقدياً واسعاً في أوروبا وأميركا. بدأ كلّ شيء مع عازفَيْن أرادا اختبار نزوات شخصية مع آلتيهما. خرج شريف صحناوي ومازن كرباج عن بعض الأنغام الأسيرة، وعزفا الـ «لا نمط» أو الـ «لا نوع». أرادا البحث عن مفهوم موسيقي مختلف، واختبار أصوات جديدة، واكتشاف طرق استعمال مختلفة للآلات. حملا تجربتهما وطارا بها إلى فرنسا وإسبانيا، حين كانت أوروبا حاضنةً لما يسمى «الموسيقى المرتجلة الحرة». لكنّهما سرعان ما التفتا إلى الوراء، ليقرِّرا أنّهما يريدان نقل ما عايشاه إلى الساحة المحليّة. هكذا أطلقا فكرة مهرجان «ارتجال» في بيروت، يشغلهما هاجس جمع موسيقيين آخرين انخرطوا في عالم الموسيقى الحرّة، وتعريف الجمهور اللبناني على ذلك العالم الجديد.
حين انطلقت التجربة في نهاية التسعينيات، كان من الجرأة طرح ذلك النوع الموسيقي أمام الجمهور البيروتي، علماً أنّه «ليس نوعاً ولا نمطاً» بالمعنى التقليدي للكلمة. كان أمام العازفين تحدّ كبير، هو أن يتمكّنوا من إقناع جمهور متعطّش وباحث عن كلّ جديد. في هذا الإطار، يتذكّر شريف صحناوي ردود الفعل السلبية على المهرجان لدى انطلاقته، ويقرّ بأنّها لم تكن كلّها ظالمة. «كانوا على حقّ، لم نكن على المستوى المطلوب حينها. كنّا كأيّ عازف مبتدئ، نفتقر إلى الخبرة». يتذكّر صحناوي كيف واجهوا النقد، وخروج بعض الجمهور من الصالة. «لكنّ ذلك لم يدفعنا إلى التخلّي عن المشروع، بوجود قلّة ممن شجّعونا على المتابعة. البداية في لبنان كانت سريعة ومفاجئة للجمهور. قرّرنا بعدها أن نفكر ملياً، وننطلق في نمط موسيقي معيّن كالارتجال في الروك، والجاز، والكلاسيك. وهذا ما اعتمدناه في كل دورة من دورات المهرجان لاحقاً».
لم يتأخّر النجاح والاعتراف، خصوصاً بعد الدورة الثانية من المهرجان التي احتضنها «مسرح بيروت» عام 2002. صار للارتجال جمهوره الخاص. في دورته رقم 12 التي تنطلق الليلة على خشبة «مترو المدينة»، يقدم المهرجان تجارب حرة مرتجلة، تنتمي إلى مدرستين متناقضتين. في الكلاسيك المعاصر، سيكرّم عازفة الفلوت الإيطالية أليساندرا رومبولا، وعازف الاكورديون الإسباني استيبان ألغورا (8:30؛ غداً). وفي الموسيقى الالكترونية المعاصرة، سيستضيف جاد عطوي من لبنان، وأيغور ونيفو زيرو (niveau zero) من فرنسا، وليليان شلالا من لبنان (8:30؛ السبت). على برنامج هذه الدورة أيضاً، حفلات لأسماء موسيقية معروفة، مثل زاد ملتقى الذي سيقدّم حفلة الختام في «مسرح المدينة» (8:30؛ 12/4)، مع مجموعة «مِجوز Dyptiques»، في تجربة ستجمع 70 موسيقياً على الخشبة، إضافةً إلى حفلة لرائد الخازن وخالد ياسين مساء اليوم، والاحتفال بعيد الميلاد العاشر لتريو مازن كرباج، ورائد ياسين وشريف صحناوي بمشاركة جيورغ ويسل (سكسافون) وطوني باك (درامز) من الدانمارك (8:30؛ 11/4).
سيتم جمع العديد من العازفين في عروض مشتركة، كثلاثي البيانو ماجدة مياس وسينتيا زافين (لبنان) دوسيا كالجان ويسف (دنمارك). وفي تجربة مماثلة، سيجتمع عازفَا الفلوت جيم دانلي (الدانمارك) واليساندرا رومبولا (ايطاليا) مع اكورديون استيبان الغورا (اسبانيا) في حفلة بعنوان «مورال/ 03» مساء اليوم. وسيقدّم النسخة الثانية من «مورال/ 03» النروجي كيم مهير والأسترالي انغار زاخ مساء غد في «مركز بيروت للفن». صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» ستحتضن عند الثامنة والنصف مساء الأحد 8 الجاري، حفلة Cinemix يقدّمها التونسي أسامة جعيدي لمرافقة فيلم «أوروبا» (1991) للارس فون تراير.
بعد التراكمات التي حملتها دورات «ارتجال» المتعاقبة، لم يعد المنظّمون يحفلون بتزايد الجمهور أو نقصانه. المهمّ الإضافة التي سيحملها المهرجان على الساحة الموسيقية التجريبية في بيروت، وقدرته على خلق مساحة للتفاعل بين عازفين آتين من مشارب مختلفة.

«ارتجال 12»: الافتتاح 8:30 مساء اليوم في «مترو المدينة» (الحمراء/ بيروت) حتى 12 نيسان (أبريل) الحالي. للاستعلام: 71/497140 - www.irtijal.org



القاعدة هي التغيير


مفهوم الارتجال في الموسيقى ليس بدعة. الارتجال جزء من الموسيقى الشرقية، كما عرفه الكلاسيك منذ العشرينيات. هذا ما يوضحه شريف صحناوي (الصورة)، مؤكداً أن فكرة مهرجان «ارتجال» تطورت خلال العقد الماضي. «نظرتنا إلى هذه الموسيقى وفهمنا لها تغيّرا أيضاً»، يقول، قبل أن يضيف «الجمهور في بيروت تغيّر أيضاً، بعد مرور جيل كامل على انطلاقة «ارتجال»».