بغداد | عائلة الفنّان العراقيّ المغترب فاروق صبري، احتفلت منذ فترة بعيد ميلاد ابنتها رهام. اطفأت المطربة الشابة شمعتها الحادية والعشرين من دون أن ترى بلادها ولو لمرة واحدة. لكنّ أداءها للتراث الغنائيّ يجعلك تتخيّل أنّها تتلمذت على يد واحدة من رائدات الغناء العراقي الأصيل. يحيلنا صوتها إلى عقود خلت، حين كانت الأصوات النسويّة طاغية في الساحة المحليّة، إلى حقبة استطاعت خلالها سيدات حفر أسمائهنّ في تاريخ الفنّ العراقي الرصين مثل سليمة مراد، وزكية جورج، وعفيفة اسكندر، وزهور حسين، ولميعة توفيق، وأحلام وهبي.
كيف أتقنت هذه الشابة المولودة خارج بلدها الأمّ أغنيات مضت عليها عشرات السنين؟ أهو قدر العراق أن يكون حضور الأنوثة في مشهده الثقافيّ والفنيّ الراهن ضرباً من الاستثناءات؟ لهذا، فإنّ الاحتفاء بهذه التجربة الجديدة أكثر من مبرر، خصوصاً لأنّها تقدّم التراث بروح عصريّة، لم تفقد صلتها بجذور المكان الأوّل وما فيه من إبداعات. فيديو واحد على يوتيوب، كان كفيلاً بأن يشغل العراقيون برهام الشابة، وصوتها. المقطع الذي يظهر رهام تغنّي، انتشر بسرعة بين طيف واسع من العراقيّين داخل البلاد وخارجها. وفيه تظهر قريبة من الوطن، تتلفّظه بحنجرتها. نسمعها تدندن أغنيتين. أولاهما «هذا الحلو كاتلني ياعمه» للفنّانة الراحلة لميعة توفيق (1937 ـــ 1992) التي كانت تغنّي بلهجة بغداديّة، وبرعت في تقديم الفنّ الريفيّ إلى جمهورها، ممّا أكسبها شهرة واسعة، لتترك عدداً من الأغاني التي لن ينساها العراقيّون، مثل «شفته وبالعجل حبيته والله»، «جينا نشوفكم»، «يمه إهنا يمه». والأغنية الثانية فهي «يا أم عيون حراكه»، للفنّانة الراحلة أيضاً زهور حسين (1918 ـــ 1964). مع أنّ هذه الأخيرة رحلت في أوج شهرتها في حادث سيّارة، لكنّ صوتها ظلّ يصدح في مقاهي بغداد وأحيائها، وفي العراق كلّه.
الكثير من المطربين العراقيّين والعرب أدّوا هاتين الأغنيتين. غير أنّ صوت رهام صبري يقول لنا إننا أمام ولادة مطربة جديدة، وربما أيقونة من بلاد الرافدين، إذا واصلت حبّها للغناء الراقي. كان يكفي أن تغني تلك الوصلة القصيرة لتبثّ الفرح في قاعة جمعتها مع أبناء بلدها الأمّ في نيوزيلندا، ومنهم والدها الفنّان العراقيّ فاروق صبري، ووالدتها الشاعرة السوريّة فرات اسبر.