دمشق | ليس خالد تاجا «أنطوني كوين العرب» لأنّه ببساطة لا يشبه إلا نفسه. ممثل من طرازٍ خاص صنع نجوميّته على دفعات عبر الخبرة المتراكمة، والإنصات إلى روح الشخصية من الداخل، وامتصاص رحيقها حتى الشغف. حضور استثنائي يضفي بصمته الشخصية على الدور الذي يلعبه مهما كان صغيراً. زخرفة غير مرئية تتسلل إلى الشخصية فتصبح جزءاً منها، وليس ديكوراً برانيّاً يثقل حضورها. هكذا أقصى النمطية جانباً، وأماط اللثام عن سيَرٍ حياتية لأشخاص بلا سيرة. السيناريو المكتوب هو مجرد مادة خام، سيطرّزها بإبرة حائك ماهر، يرفو الثقوب جيداً، ثم يضع كلمة السر في الخيوط المتداخلة للشخصية. وإذا بها تحتل الكادر، بنبرتها وروحها. في الشريط الطويل لأعماله، سنتوقف بذهول أمام عشرات الأدوار. يكفيه دوره في «التغريبة الفلسطينية» كي يقف على القمة منفرداً، فالنجومية تصنعها أقدار الشخصيات التراجيدية في المقام الأول. من موقعه كممثل بلا ألقاب، تمكّن خالد تاجا من تحطيم القوالب الجاهزة. منذ ظهوره الأول في فيلم «سائق الشاحنة» (1966)، مروراً بمسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب»، إلى «زمن العار». كان الورقة الرابحة في هذه الأعمال، إنه «بطل الظّل»، ذلك الذي يسحب البساط نحوه بخفّة ساحر، لينسج حكايةً موازية لما يجري على الجانب الآخر من الكادر. سنخطئ إذا اعتبرنا أن الموهبة وحدها أوصلت خالد تاجا إلى هذه المرتبة. هناك الحدس أيضاً، والشغل على قماشة الدور في طبقاتها المخفيّة. فرز الألوان ثم خلطها بمهارة على السطح. تاريخ مشبع بالتجربة والمغامرة والترحال. الفشل والنهوض مرّةً أخرى. الانتباه إلى مقترحات الأجيال الجديدة، والانخراط فيها، لاغياً المسافة إلى حدودها القصوى. شغف في مسرح مؤجل ومغيّب، وخشبة لم يصعدها، منذ زمنٍ طويل، ليجلس على كرسي «الملك لير»، الدور الذي طالما حَلُمَ بتحقيقه إلى آخر يومٍ في حياته. رحل خالد تاجا بسبب نقص في الأوكسيجين وتلفٍ في الرئة. لكن، ألم يستهلك أوكسيجيناً أكثر مما يحتاج إليه بضغط من شغفه الفائض بحياة شخصياته المتخيّلة التي امتصت طاقته كاملةً؟