في روايته «لوعة الغاوية» (دار الساقي)، يدخلنا عبده خال (1962) عالماً ليس سوى مزيج بين الأسطورة والواقع، مسلّطاً الضوء على الحالة الاجتماعية والسياسية في مدن وقرى تقع في غرب السعودية وجنوبها. تبدأ لعبة السرد عبر فلاش باك يستعيد قصة عن الحب والثأر والانتظار. صوت مبخوت وفتون يتبادلان السرد في الرواية التي تبدأ من دخول مبخوت جدة غريباً لغاية طرده منها بتهمة الاعتداء على فتياتها الصغيرات. أما عشق الطفلة فتون له، فسيدفع ذويها إلى تزويجها بالأعمى جابر لتغطية الفضيحة. لكنّها ستنتقم بتجاهل سمعتها وتتخذ زوجها جابر غطاء لبحثها عن مبخوت في قرى الجنوب السعودي. تقول في أحد مقاطع الكتاب «اسم قرية مبخوت الغاوية، وأنا الغاوية به». أما الصوت الثاني في الرواية، فهو صوت مبخوت الذي سيعود إلى قريته الغاوية بعد تخلّي زوجته عنه، بادئاً رحلة الهرب من آثار فتون، وباحثاً عن حبيبته أنس التي تزوجت تاجر الأسلحة موسى. وثّق الروائي السعودي، الحائز جائزة «بوكر» العربية عام 2010، حرب الخليج الثانية والتفجيرات التي ارتكبها الإرهابيون في حقبة التسعينيات في المملكة، وقوائم المطلوبين التي نشرتها وسائل الإعلام.

نقرأ ذلك عبر مبخوت الذي كان ينقل أخبارهم للناس خلال عمله موظفاً يهرّب الصحف والمجلات في أحد مراكز البريد التابعة للدولة، وصولاً إلى انخراطه مع الحوثيين في حرب صعدة ضد النظام اليمني والجيش السعودي على الحدود اليمنية مع المملكة. حرب دخلها مرغماً أثناء محاولة تسلله إلى اليمن للبحث عن حبيبته أنس التي اختفت أخبارها في إحدى القرى هناك، ليصاب مبخوت برصاصة قاتلة في كمين نصبه الحوثيون للجيش السعودي.
قصة حبه لم تكتمل. بعد فترة قصيرة على لقائه أنس، نراه يرقد في المستشفى الذي تعمل فيه فتون التي ظلت تبحث عنه طوال حياتها لتهبه عذرية اتهم بانتهاكها وهي طفلة. مصادفة أخيرة ستنتهي بموته، حيث «القدر يصك عملته الخاصة وعليك أن تتعامل بها وتصرفها من أجل أن تعيش».
تميزت الرواية بشعرية أنهكت العمل الأدبي في الكثير من الوقفات، وسرد متواصل ميّز أعمال عبده خال الروائية. جاء الامتداد الزمني للرواية المفكك منذ فترة السبعينيات حتى حرب صعدة ضد الحوثيين عام 2010، فترة لم يقدر خال على الإمساك بخيوطها جيداً من ناحية الحبكة وملئها بالأحداث المتسارعة. أيضاً، هناك كثرة الشخصيات التي أدّت أدواراً في «لوعة الغاوية» رغم أن تتبّع مصائرها يفضي بنا إلى مشاهد بانورامية لأحياء في جنوب جدة وقرى وقبائل تهامة وجازان جنوب المملكة، ومدى ارتباطها مع اليمن بصلات عائلية وتجارية.
فسيفساء الرواية تحوي تقاليد أهل الجزيرة وعاداتهم، من رقصتي «الدرم» و«الحجلة» إلى حفلات الختان وطقوسها واللباس التقليدي لأهل الجنوب. كأن ما يفعله صاحب «الموت يمر من هنا» يصب في الجهد المشترك الذي يقوم به الكثير من الروائيين في السعودية. إنّها محاولة تصوير الحياة في المملكة عبر أعمال مكتوبة تستعير من عوالم السينما، هذا الفن الممنوع نهائياً بقرار من ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز آل سعود قبل بدء مهرجان جدة السينمائي 2009. هكذا، سيجعل هذا القرار الرواية أم الفنون لمدة طويلة في المملكة.