كان فريق عمل «العربية» يتمنى لو أنّها كذبة الأول من نيسان، حين استفاق على خبر إقفال مكتب قناة «العربية» (يضم أيضاً «العربية الحدث») في وسط بيروت! وقع الخبر كالصاعقة على رؤوس الإعلاميين الذين خال بعضهم أنّ الأمر لا يتعدى "المزحة"، كما أسرّ لنا بعض من التقيناهم أمس في مكتب المحطة. لكن مع انتشار الخبر على المواقع الإلكترونية، صار في حكم المؤكّد، مع أخبار عن "مخاوف أمنية" دفعت إلى اتخاذ القرار. في وسط بيروت، هدوء تام يخيّم على مدخل مبنى مكتب «العربية» حين زرناه صباح أمس. لا زحمة ولا ضجّة، ولا شيء يوحي بأنّ «العربية» قد تقفل مكتبها في العاصمة. حتى حرّاس الأمن في المبنى لم يكونوا على علم بقرار الإقفال. سألنا الحارس عن صحّة الخبر، فأجاب «لا أعرف شيئاً. مكتب القناة في الطابق الخامس، ويمكن التأكّد من الأمر». تتقاسم «العربية» الطابق مع مكتب قناة «سكاي نيوز عربية» في بيروت. لكن أمس، توحّد المكتبان تقريباً بعدما حاول الجميع معرفة ما يحصل في القناة السعودية. أحاديث جانبية، ومشاعر ممزوجة بين الحزن والصدمة، تسيطر على العاملين الذين يبلغ عددهم 27 بين إعلامي ومصوّر وتقني. تارة يخرج الموظف مبتسماً وكأنه لا يصدّق الخبر، وطوراً تتغيّر ملامح آخر عندما يُخبر صديقه بأنه لن ينال تعويضاً سوى ثلاثة أشهر فقط! الأكيد أنّ معظمهم وصف ما حدث بأنّه «انفجار ضرب مكتب القناة، فيما جميع العاملين فيه ليسوا سوى ضحايا القرارات الكبرى».
يسرّ لنا بعض هؤلاء بأنّ إدارة «العربية» أبلغت عبر البريد الإلكتروني جميع موظّفيها بإقفال المكتب لـ«أسباب أمنيّة، وخوفاً على حياة العاملين فيه». حجة لم تقنع السواد الأعظم من الموظفين. فلبنان مرّ في ظروف سياسية وحروب واعتداءات كثيرة، منها حرب تموز 2006 وأحداث أيار 2008، ولم تتخذ «العربية» قرار الإقفال، بل بقي العاملون فيها يغطّون جميع الأخبار. يشير بعضهم إلى أنّ مكتب «العربية» في بغداد أقفل عام 2010 بعدما تعرّض لتهديدات حقيقية واستهدف فعلاً بسيارة مفخخة، لكن في بيروت الوضع مختلف ولم تواجه هذا المصير أبداً، ويهمس بعض الموظفين في ما بينهم بأنّهم لم يتعرّضوا يوماً لتهديدات خلال عملهم في بيروت.
لا أسباب أمنية... واحتمال انتقال الدور إلى mbc

إذاً، علامة استفهام كبيرة ترتسم حول الحجة التي قدّمتها "العربية" لموظفيها. بعضهم يدرج هذا القرار ضمن سلسلة الضغوط الأخيرة التي تمارسها السعودية على لبنان منذ قرار سحب الهبة الشهيرة للجيش اللبناني، مروراً بالحرب التي تشنّها المنابر والأقلام الإعلامية التابعة للسعودية على لبنان والمقاومة، وليس انتهاءً بالكاريكاتور الشهير الذي نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" أمس (راجع الصفحة الأخيرة).
في هذا السياق، يبرّر بعض العاملين في المحطة الإغلاق بأنه جاء كردّ فعل على عرض فيلم «حكاية حسن» (الأخبار 20/2/2016) الذي تناول سيرة السيد حسن نصرالله وبثّ في شهر شباط (فبراير) الماضي، وأثار ضجّة كبيرة، لأنه صبّ في مصلحة «الأمين العام لحزب الله» (الأخبار 20/2/2016). يومها، اعتبرت القناة السعودية أنّها تعرّضت للخرق من قبل مجموعة من موظفيها الذين قدّموا فيلماً «يروّج» لنصرالله مقاوماً ومناضلاً، على عكس ما دأبت عليه المحطة المعادية للحزب. ويبدو أنّ ارتجاجات «حكاية حسن» لا تزال تضرب أرجاء القناة، سواء في مكاتبها في دبي أو في بيروت، إذ لم تستطع أن تهضم "هذه الزلة" على شاشتها، فحُكي عن إقالة عدد من الموظفين ممن أشرفوا على الفيلم، لكنّ الأسماء لم تظهر إلى العلن. في السياق نفسه، وبحسب مصادر لـ«الأخبار»، رفضت الكشف عن اسمها، فإن القائمين على «العربية» وجدوا أنّ مكتب بيروت لا يقوم بما يكفي في بثّ البروباغندا السعودية، ولا الدور المطلوب منه في الترويج للحرب السعودية على اليمن. لذلك، لم يرض السعوديون عن عمل الفريق. وبرأيهم، فإنّ صلاحيته قد انتهت، فهو لا يخدم سياسة السعودية التي تقوم أساساً على التحريض والتفرقة المذهبية. لذلك، حاولت إدارة «العربية» أن تتحايل على القانون وموظفيها وتتحجّج بالأسباب الأمنية. وفق ما ينص عليه القانون، تساعد حجة "الأسباب الأمنية" إدارة القناة السعودية على عدم دفع التعويضات كاملةً، والاكتفاء بتسديد ثلاثة أشهر فقط لكل موظف. رقم غير منصف بحقّ هؤلاء الذين تخطّى بعضهم عشرين عاماً في العمل داخل المحطة السعودية، بل كانوا من مؤسّسيها أيضاً. وهنا، يؤكّد جميع العاملين عدم وجود أزمة مالية في المحطة، بل إنّ القرار جاء مفاجئاً، وكل الأمور كانت تسير بشكلها الطبيعي. في السياق نفسه، أوضح وزير الإعلام رمزي جريج بأنه «لا مبرر أمنياً لإقفال مكاتب القناة»، متسائلاً «هل القرار نابع من موقف سياسي بسبب توتر العلاقة بين لبنان ودول الخليج، ولا سيما السعودية؟».
مع إقفال مكتب بيروت، يُحكى عن أن القناة قد تتعاقد مع موظفين في العاصمة، لكن بدوام حرّ، كي يواكبوا الأحداث هنا. على الضفة الأخرى، يرى متابعون أن قرار «العربية» هو البداية فقط، على أن تتبعه قرارات أخرى ستنعكس على قناة mbc أيضاً التابعة لها، إذ تستعد الأخيرة لنقل ستديواتها لتصوير «أراب آيدول 4» من بيروت إلى عمان. صحيح أنه لم يصدر قرار رسمي بشأن تلك الخطوة ولا بشأن قرار إقفال مكتب بيروت بعد، لكن الشبكة السعودية تدرس احتمال انتقال البرنامج إلى العاصمة الأردنية بجديّة، ولن تعلن عنها سوى مع انطلاق تصوير العمل، أيّ بعد شهر رمضان. ومن المعروف أن صفقة دمج تمّت بين mbc و«الشركة السعودية للأبحاث والنشر» (مركزها الرياض) التي تضمّ قناة «العربية» (الأخبار 6/1/2016). لذلك، فإن القرارات ستكون موحّدة بين وسائل الاعلام السعودية.
إذاً، رغم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الخليج في الآونة الأخيرة مع انخفاض سعر النفط، إلا أنّ المتابعين يستبعدون إدراج قرار إقفال مكتب بيروت تحت هذه الدواعي، مرجّحين أنّ الخطوة ليست سوى استتباع لسياسة السعودية القاضية بمحاصرة لبنان اقتصادياً وإعلامياً.