القاهرة | بدا الرقم قياسياً آنذاك. أكثر من مليوني مشاهد في ثلاثة أسابيع يقبلون على كليب أحمد مكي «فايس بوكي». لكن سرعان ما بدا الرقم متواضعاً أمام عدد زوار الكليب الجديد الذي قدّمه الفنان الشاب أخيراً. منذ طرحه قبل شهر، شاهد أكثر من أربعة ملايين زائر على موقع يوتيوب كليب «قطر الحياة» الذي رسخ به مكي نجوميته في عالم الراب العربي، بعد تراجع جماهيري موقت واجهه فيلمه السينمائي الأخير «سيما علي بابا».التعليقات تلاحقت بالآلاف في أسفل الفيديو الجديد الذي يعالج قضية إدمان المخدرات. إعجاب الزوار كبير، حتى إنّ ثمة تعليقات متكررة تستنكر بشدة كل dislike يعرب فيها أحدهم عن عدم رضاه عن الفيديو. وصل عدد عدم الراضين إلى أقل من 500 زائر، مقابل أكثر من ثلاثين ألفاً أعجبهم الفيديو. لكن، لماذا كان الاستنكار جلياً في صفوف من لم يعجبه الفيديو؟
الواقع أن الأغنية/ الكليب أثارت جدلاً بوصفها أغنية وعظية مباشرة، لكنّ ذلك ليس غريباً على فن الراب الذي يتوحد فيه عادة الشكل بالمضمون. إلا أن الإعجاب المفرط بالأغنية ـــ كما يبدو من التعليقات ـــ كان منصباً في معظمه على أنّها «تمثل الفن الهادف» وأنّ «هذه هي وظيفة الفن الحقيقية»، وأنّ «مكي هو الفنان المحترم الوحيد»، بل وصل الأمر إلى الدعاء لبعض الفنانين الآخرين «بالهداية». ربما كانت تلك التعليقات، أو الأغنية نفسها، هي ما أثار حفيظة كل من يؤمن بعكس «القيم» السابقة، رغم أنّ معظم أغنيات مكي، مثل «جدعان طيبين» و«ما تحاولش تبقى حد تاني غير نفسك»، تنتمي إلى النوع نفسه، إلا أنّ «قطر الحياة» قدمت رسالة وعظية قد تكون أكثر مباشرة ـــ وقسوة ـــ من اللازم، فضلاً عن اختتامها برسالة تكاد تكون دينية مباشرة «يا رب ادّيني فرصة تاني ارجع للحياة/ همشي في طريقي صح لحد آخر منتهاه/ دي حاجه صعبة فعلاً إنك تختفي م الدنيا/ والناس مبتفتكركش بحاجة حلوة لوجه الله».
وبعيداً عن الجدل «الوعظي» حول الأغنية، فنجاحها الواضح من حجم مشاهداتها لم يأت من فراغ. الشريط الذي أخرجه أحمد الجندي ـــ رفيق مكي الدائم ـــ يبدو كفيلم سينمائي قصير (حوالى 8 دقائق)، يستعين فيه بممثلين مميزين، منهم حنان يوسف في دور الأم، وأحمد حلاوة في دور الأب، ومحمد سلام في دور صديق مكي. الكليب في صيغة فلاش باك يبدأ بأحمد مكي عند البحر في ثياب داكنة يتذكر حياته، وينتهي به في المكان نفسه. وقد اتسع الكادر ليتضح أنه منطقة مقابر دُفن فيها البطل بعد جرعة مخدرات زائدة.
بين البداية والنهاية، نشاهد مشوار الحياة القصير للبطل «عمري بسرعة انتهى/ رجعت شريط حياتي/ ملقتش في حاجة عدلة تتذكرلي عملتها» كتب مكي بنفسه ـــ كعادته ـــ النص الطويل جداً مقارنة بالأغنية العربية. يتضح من طول النص قلة تكرار لازمة الأغنية، وهي لازمة مميزة موسيقياً كما في الكلمات، وهي لا تظهر للمرة الأولى إلا بعد مرور أكثر من ثلث الأغنية، عندما يعود البطل من تجربة تعاطي المخدرات للمرة الأولى وينام في بيته من دون أن يشعر بما حوله. وهنا يقطع المخرج المشهد الذي بدأ به الأغنية عند البحر، بينما يردد مكي اللازمة «قطر الحياة بيعدي بسرعة/ سنة ف سنة ف سنة/ وأنا زي ما أنا/ من لما كان عندي سنة». كلمات لا يصعب تصور مدى تأثيرها في جمهور شاب يعاني أزمة البطالة وضبابية المستقبل. تبدأ الأغنية بكلمات قريبة من معنى اللازمة «في كل لفة عقرب ساعة/ عمري بيتسرسب بيعدي/ الناس والدنيا بتتغير حتى الحديد بيصدي/ وأنا الوحيد واقف مكاني ثابت/ في ناس اختارت سكة صابت/ ناس تانية اختارت سكه خابت». بعد ذلك، تنحو الأغنية نحو مزيد من المباشرة والتعبير عن الشباب في الوقت نفسه، فتحكي «احساس قاسي وصعب لما الناس تشوفك فاشل/ أبوك وأمك وأخوك وأصحابك شايفينك عاطل/ قوم يا بني اسعي وحاول. والله غلبت أحاول/ ياما حاولت وقبل الجون ما ييجي يطلع فاول». كلمات بسيطة وقريبة من لغة الشباب أو هي لغتهم نفسها، وموسيقى جذابة تستوعب الدراما، وتعبير ذو إيقاع يفهم لغة السينما، يتضح ذلك أكثر في مشهد الذروة عندما ينفجر الشاب مكي في مواجهة أهله طالباً النقود بأي طريقة، ويهدد بارتكاب جريمة، تنفتح أبواب الحجرات ويخرج الإخوة فزعين وتنهار الأم، ويمنحه أهله ما يطلب، لكنّهم يطردونه من المنزل بلا رجعة. يمكن القول إنّ الأغنية قدمت في ثماني دقائق ما قدمته أفلام عربية في ساعتين أو أكثر، وما قدمته مسلسلات في ثلاثين حلقة. هذا الاختصار المصحوب بعناصر الإخراج والموسيقى المميزة و«الغرض النبيل» لم يكن غريباً أن ينجح على هذا النحو.



صعود صاروخي

على عكس حاله الآن، بدأ أحمد مكي (1978) بداية غير موفقة جماهيرياً، عندما لم يحالف الحظ فيلمه الأول «الحاسة السابعة» (2005) الذي حمل توقيعه، لكنّه لم يمثّل فيه بل لعب بطولته أحمد الفيشاوي. كان ذلك قبل أن يصعد الفنان الشاب ـــ وهو من أب جزائري ـــ سلّم الكوميديا والإيرادات معاً بسرعة الصاروخ. ظهر مكي ممثلاً من خلال دور «هيثم» في حلقات الكوميديا «تامر وشوقية»، ثم قدم الشخصية نفسها في فيلم عادل إمام «مرجان أحمد مرجان»، وتولى بطولة فيلم «إتش دبور» الذي حقق نجاحاً كبيراً. وتوالت نجاحاته بعدها في «طير إنت» و«لا تراجع ولا استسلام».