في ديوانه الأخير «لمن يهمّه الحب» (دار الساقي)، يستكمل زاهي وهبي مسيرته «الرومانسية». أسئلة عدة عن الأنوثة والجسد والزمان والمكان والحرية، سترافقنا ونحن نقرأ قصائد الشاعر اللبناني. يتنقّل صاحب «في مهبّ النساء» (1998) بين الذاتي والموضوعي. يبطّن ألمه باللذة وحزنه بالحنوّ. يتّخذ من الشعر ملعباً وجودياً وملاءةً لروحه. قصائده استنطاقٌ للذات والعالم، ومصفاة للهواجس في لحظات معلّقة. داخل الرجل الحكّاء، ثمة طفل عفريت وجنّيات يلعبن. من يعرف زاهي وهبي، سيعرف أنّ صاحب «تتبرّج لأجلي» (2007) يتمرأى في قصائده. تتلاطم أهواؤه وتصوّراته وأمزجته واعترافاته في سياقات تلامس الشعر والنثر على السواء، وترجّع أنيناً فردياً وجماعياً. كأنّ الشعر يتحوّل هنا إلى تعويض عن واقع متصدّع وانتظار عاقر. في قصيدة «أضغاث»، سنطالع رغبة غير مشبعة تتكثّف في حلم الشاعر: «البارحة، حلمت بك تحلمين بي أحلم بك». ينمّ اتّساق الصورة الشعرية عن حلم يقظة وبُغية بيّنة، لا عن رؤيا. هكذا، تتحوّل قصيدة زاهي وهبي إلى بوح مؤسلب. يلاحظ القارئ بساطة في التعبير، وتفنّناً في الصياغة المرموزة: «لو كان للماء ذاكرة/ لما استطاع نسيانَ جلدك/ لو لم يكن للماء ذاكرة/ لما عاد ثانيةً شوقاً إليك».

المعاني المفترضة التي تتلبّس بها بعض قصائد وهبي الأخيرة ترحّلك هنيهة عن الشعر المتقطّر، قبل أن تصيبك صورٌ مجنّحة: «بيروت/ مُراوَدةُ الرمل لإناث الموج/ قارئة كفّ المياه». يبحث صاحب «أضاهيك أنوثة» (2010) عن ظلّه في امرأة ينجبها ليمنحها كل شيء: «أعلن انتمائي لوطن يديك/ في راحتيك خريطة البلاد/ عينك نشيد الأناشيد/ صوتك عيد الاستقلال».
يبحث عن شعوب وبلاد تسكنه. وبينما ينقسم الديوان إلى قسمين. ينشغل القسم الأول في تمجيد المرأة، ينحو الثاني إلى الجغرافيا التي يستلهم منها وهبي قصائده. يظلّل القضايا الوطنية والعربية بالوجد. يلغّم الجسد بالثورة، والعكس، ناصباً للقارئ كميناً ثقافياً.
هكذا، يتحوّل الشعر إلى حفر متأنٍّ في الوعي. كأنّ وهبي يقول في ديوانه هذا إنّ الثورة لا تقتصر على تحرير الأوطان وإصلاح الأنظمة، بل تستوجب أيضاً تثوير الذهنية العربية السائدة وإعتاق الجسد.
الباحثون عن قصيدة تلتقط اليوميّ والمهمل حصراً، لن يعثروا على مبتغاهم في دواوين زاهي وهبي. من «حطّاب الحيرة» (1990)، إلى «صادقوا قمراً» (1992)، مروراً بـ«كيف نجوت» (2010)، و «رغبات منتصف الحبّ» (2011) ... يخطّ الإعلامي المعروف نصّاً شعرياً خارج اللحظة الشعرية العربية الراهنة، بالمعنى النقدي الذي يخضع لشروط قصيدة النثر في زمن الحداثة الثانية. قصائد وهبي تأتي من زمن آخر عادت قيمه إلى الظهور في مرحلة ضبابية تجرّ أذيال الخيبة الثورية. المتابع لأعماله يكتشف أنّ قصيدته لا تتطوّر عمودياً، بل أفقياً. يمكن إذاً جمع معظم قصائده في ديوان واحد، تبعاً لثيمات متشابهة وأسلوب جليّ. يعدّ زاهي بعض قصائده المنشورة في الصحف تمريناً على الشعر، قبل أن يشذّبها. حتّى ديوانه الأخير، يحتمل التكثيف والقولبة وإعادة الكتابة. الشاعر الذي غنّى قصائده مارسيل خليفة، وأحمد قعبور، وأميمة الخليل، وهبة قوّاس، وجاهدة وهبة ... يشتغل على اختزال المسافة بين الشعر والجمهور العريض، مستفيداً من النيوميديا وحضوره في الإعلام العربي.