في «حدائق النساء ـــــ في نقد الأصولية» (دار «المدى» ـــ 2012)، تقدم الكاتبة المصرية فريدة النقاش قراءة نقدية لأحوال النساء في العالم العربي. ورغم أن الدراسة تسلط الضوء على أوضاع المرأة المصرية، إلا أن النقّاش تتوسع في طرحها. هكذا، تفكك صاحبة «أطلال الحداثة» (2006) مسائل شائكة في الفقه الإسلامي والثقافة والمنظومة البطركية، هذا الثالوث الذي يشكل رافداً مشتركاً لكل الأصوليات بمعنييها الديني والمجتمعي. يبدو الكتاب كما لو أنه يقارع البنى الدينية بدءاً من عنوانه. إلا أن هذا النقد لا يكتفي بتشريح الفقه الذكوري/ التقليدي الذي نظر إلى نساء الإسلام من موقع الجسد/ العورة. الأصولية عند النقاش ذات أبعاد اجتماعية وثقافية. ولعل المعركة مع الثقافي والمجتمعي أصعب، لأنها تطرح إشكالية أساسية: كيف يمكن تغيير الذهنية الشرقية المتمركزة حول الذكر/ الفاعل، مقابل تهميش الأنثى/ المفعول بها؟
يأتي الكتاب في طبعة ثالثة، بعد صدوره لدى «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» (2002) و«مكتبة السائح» و«دار كيوان» (2006)، وهو عبارة عن مقالات كُتبت في فترات متفاوتة، وليس مؤلفاً كاملاً يدرس ظاهرة القمع التاريخي للمرأة العربية. تحاول النقاش معالجة واقع المرأة المصرية المقيّدة بسلاسل العبودية، رغم خرق المصريات للمجال العام وخروجهن من عصر الحريم إلى الفضاء الأوسع. تكشف عن دلالات الفحولية التي تقف كلها على أرض مشتركة. هي من جهة، توجّه نقدها لقوانين الأحوال الشخصية في مصر المستمدة من الشريعة الإسلامية التي قامت بتشييء جسد المرأة وحصره في المتعة، ومن جهة أخرى تعتبر أن هذه القوانين تستمد مخزونها القمعي من المجتمع والثقافة. وكانت النقاش قد دعت إلى تأويل جديد للآيات القرآنية المتعلقة بالنساء، من أجل التأكيد على أن الإسلام القرآني لا يشكل حاجزاً أمام المساواة الكاملة بين الجنسين، وأنه لم يميّز أنطولوجياً على أسس النوع.
لم تقف النقاش عند هذه الحدود. سنجدها تعري الخطاب السياسي/ السلطوي وتنتقل الى المعطى الثقافي. وفي هذا السياق، تموضع صاحبة «لا أحد يخاف إسرائيل» (2011) أحوال المرأة المصرية المتردية في ظل السلفيات والأصوليات الممتدة من المحيط الى الخليج، ضمن صدمة الوعي، لتخلص إلى أن عودة الحجاب «جزء من الأزمات المجتمعية الدورية».
تعود الكاتبة إلى العصر الأمومي، رمز الخصوبة والاستقلالية. وتعتبر أن نشوء الملكية عبر التاريخ هو الذي قونن جسد المرأة وحوّلها الى أداة في يد الرجل. وعلى شاكلة رائدة التيار النسوي الراديكالي نوال السعداوي، تعمل النقاش على تفكيك العلاقة البنيوية بين الملكية وعبودية المرأة. ولهذه الغاية، تستعين بإنغلز صاحب «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة»، ولسان حالها يقول أعيدوا للنساء حرياتهن بعدما تحولن إلى أشياء وممتلكات.
تعتمد النقاش على بعض التقارير والإحصاءات الصادرة عن جمعيات مدنية مصرية ومنظمات دولية بهدف الإضاءة على موضوعات متعددة، مثل حضور المرأة المصرية في النقابات والاقتصاد والبرلمان. وبالطبع، لم تكن نتائج تلك الوثائق مفاجئة، رغم أن جزءاً منها قديم نسبياً.
تحت عنوان «منزلة المرأة بين الفكر الفلسفي والفكر الديني»، تنشغل النقاش بتنظيرات الليبراليين للمرأة. تعرج على النسوية الليبرالية الغربية بإيجاز، وتتوقف عند الفرنسي بيار بورديو صاحب الأطروحة المهمة «الهيمنة الذكورية» لتطبيق نظرياته على المجتمعات العربية. هكذا، تستخدم مصطلحات «الرأسمال الرمزي» و«العنف الرمزي» كي تعرّف بنى الذكورة ومدى هيمنتها. تعود إلى طروحات كتاب ومفكرين راحلين اشتغلوا على استرداد حق المرأة ومساواتها بالرجل في مؤلفاتهم. هكذا، تنفض التراب عن الأطروحة الشهيرة «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» للطاهر الحداد، قبل أن تعرّج على «دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة» لنصر حامد أبو زيد، لتنتهي مع الشيخ محمد عبده الذي كانت له آراء فقهية ثورية، من بينها منْع تعدد الزوجات. ورغم أن «حدائق النساء ــــ في نقد الأصولية» ليس أكثر من مجموعة مقالات، إلا أنه يشتمل على مفاتيح معرفية مهمة. ربما، كان من الأجدى للنقّاش أن توسع أفكارها أو تزيدها، وخصوصاً أنها تعيد إصدار مؤلفها في زمن انتشاء الإسلاميين والسلفيين بانتصاراتهم السياسية، وهم الذين لم يتجاوزوا بعد عقدة الفتنة والعورة.