حطّت مي زيادة (1886ــــ1941) رحالها في غزيز شمال بيروت. هذه البلدة اللبنانيّة، تحولت إلى مدينة القرن التاسع عشر بامتياز مع مصمم الديكور بول سليمان. هنا، شيّد الأخير ديكورات مسلسل «الآنسة مي»، الذي تؤدي بطولته اللبنانية نور في تجربتها الأولى في لبنان، بعد بطولاتها في مصر. ستتقمص نور شخصيّة الأديبة والشاعرة اللبنانيّة الفلسطينية الراحلة مي زيادة، وستمضي أيّامها المقبلة بين جريدة «المحروسة» في مصر، وسجن «القلعة» في القاهرة، ومستشفى «ربيز» في كليمنصو (بيروت)، والعصفورية في الحازمية (مستشفى الأمراض العقليّة)، ثم مستشفى «نيويورك» حيث توفي جبران خليل جبران.
كل هذا بملابس مناسبة لتلك المرحلة الزمنيّة، نفّذها مصمم الأزياء ماجد بو طانوس، مستعيناً بالكتب والمراجع التاريخيّة. أما خبير الماكياج نبيل سلامة، فقد جعل نور نسخة قريبة شكلاً من «الآنسة مي». هذا العمل أمضى سمير مراد 11 سنة في كتابته، وتنتجه «سيدر أوف أريبيا»، ويتولى إدارة الإنتاج جورج باسيل، ويخرجه يوسف الخوري العائد إلى الدراما بعد 13 سنة من الغياب منذ مسلسل «خلف جدران القصر»، والفيلم التلفزيوني «الحرديني ــ أبونا نعمة الله» على تلفزيون لبنان (1999).
هكذا، فازت نور بمي زيادة في التلفزيون، وهي الشخصيّة التي حلمت عشرات الممثلات في تقديمها بين دمشق والقاهرة. وموعدنا سيكون في رمضان 2013 مع ثلاثين حلقة نُفّذت بمواصفات تجعلها قادرة على دخول السوق العربيّة لجهة التنفيذ والكلفة الإنتاجيّة التي ستصل ـــــ بحسب المخرج ـــــ إلى 5 ملايين دولار. نور التي تدين للمصادفة في دخول عالم الفن بفيلم «شورت وفانيلا وكاب» مع أحمد السقّا، تقول لـ «الأخبار» إنّها تابعت التجهيزات وقرأت عن مي أكثر من سيناريو المسلسل، مؤكدة على «عدم تخوفها من حاجز اللهجة الفلسطينية، على اعتبار أنّ مي ولدت في مدينة الناصرة».
في هذا العمل الذي لم يعارض عليه ورثة الكاتبة الراحلة، تواجه نور مغامرة في تقديم شخصيّة في مراحل عمرية مختلفة تبدأ منذ سن الـ 17 وتنتهي في الـ 55، وتكمن المغامرة في رحلة العذاب التي عاشتها الأديبة نفسياً وجسديّاً. تقول نور: «هذا تحد تراجيدي واقعي لا من الخيال، ضمن نص أخذ سمير مراد وقته في كتابته. آمل أن أكون على قدر المسؤوليّة، وأن نتمكن من إيفائها حقّها». وتبدي ثقتها بـ «فريق العمل الذي يعطي أفضل ما لديه لتقديم عمل بشكل يليق بمي زيادة». وعلى رغم النجوميّة التي حقّقتها في مصر، لا تتكل نور على اسمها لتسويق العمل في المحروسة «لأن الاحترافيّة العالية التي ينفّذ بها، تخوّله تسويق نفسه بنفسه».
أما المخرج يوسف الخوري، فيرى أن المواصفات اكتملت مع اختيار نور للشخصيّة، وسيوزّع «الآنسة مي» عربيّاً وغربيّاً، كاشفاً عن «مفاوضات مع HBO وBBC على تقديم نسخة من العمل في ثماني حلقات، تعرض عالميّاً». يحاول الخوري إرضاء «السوق اللبناني الذي تجذبه القصّة، والسوق العربي المهتم بالنوعيّة، والسوق المصري الذي يراهن على اسم النجم». يوضح أن «نور حققت نجومية في مصر، ويمثّل اسمها عنصر قوة هناك، وستكون عودتها إلى الشاشة منتظرة في رمضان 2013». يدرك أن هذا الاسم يكاد يكون مجهولاً لبنانيّاً وخليجيّاً، لكنّه يؤكد «لا أبحث عن نجمة بمواصفات عربيّة، بل بممثلة تحمل مواصفات الشكل القريب من مي، وقادرة على تقديم المضمون، ويكفيني أنها معروفة في القاهرة». وبعد انطلاق التصوير أول من أمس الأربعاء في أحد منازل أميون (شمال لبنان)، استقر الفريق في غزيز، حيث يمضي الأسابيع المقبلة في رحلة تصوير شاقة تتوزع بنسبة 33% في لبنان، وتشمل إضافة إلى الأبنية التي شيّدت في منطقة غزيز، بعض المنازل المهجورة في منطقة الكورة الشمالية، التي أعيد توضيبها وفرشها، وبعض المواقع في طرابلس، كما يفترض أن يصوّر 67 في المئة من المشاهد في مصر. هنا يوضح الخوري أن هذا هو المخطط، وهو يراهن على مدير التصوير ميلاد طوق شريكه في برامجه السابقة. غير أن تعرقل التصوير الذي يواجه الفريق في مصر سيحتم نقل بعض مشاهد مصر إلى لبنان، وتوزيعها بين تركيا واليونان أيضاً، فضلاً عن متفرقات يجري تصويرها في الأردن عن مرحلة فلسطين ثم باريس ولندن.
وبعد خروج العمل من منافسة رمضان 2012، سيكون من أوائل المسلسلات التي توضع على خارطة رمضان 2013، وهو يجمع ممثلين من لبنان ومصر وسوريا والأردن، ومنهم حسان مراد في شخصيّة والدها الياس زيادة، والسورية جمانة بو عساف في دور والدتها نزهة معمر، وطوني معلوف في دور يوسف زيادة. ويمثّل دوره أحد أكبر الأدوار الرجاليّة مع دور والدها، ثم فادي أبو سمرا في دور ابراهيم الحوراني رئيس تحرير جريدة «المحروسة»، وطوني مهنا في دور الشلفون، وندى أبو فرحات في دور أليس داغر، وهي التي تمثّل الشخصية النقيضة لمي زيادة، وهما رائدتان في حقوق المرأة، ورودني حداد (جبران خليل جبران)، وبيار جماجيان (شبلي الشميل)، ومحمد عقيل (أمين الريحاني)، وجوليان فرحات (مارون غانم المعجب بمي منذ الطفولة)، ميشال حوراني (فرح أنطون)، عصام بو خالد (خليل مطران)، سامي أبو حمدان (دكتور مانوكيان)، إضافة إلى أنطوان بلابان وإيلي متري. كذلك يطل الأردني رشيد ملحس في شخصية خالها المناضل بولس معمّر، ويؤدي السوري باسم ياخور شخصية عباس محمود العقّاد. وسيجري ترشيح ممثلين آخرين لشخصيّات أدّت دوراً بارزاً في حياة مي، أمثال: أحمد لطفي السيّد، وحافظ إبراهيم، وطه حسين.
وإذا كان الكاتب سمير مراد يرى حياة مي زيادة مليئة بالمواقف الدراميّة التي لا تتطلب معها اجتهادات من الكاتب بحثاً عن التشويق، فهو يراهن في نصه على الإضاءة على كتاباتها ونضالها وموقعها في الدفاع عن المرأة... فضلاً عن نقطة مثّلت مفترق طريق في حياتها، يوم زج بها في مستشفى الأمراض العقلية. لا يقدم العمل أطروحة أدبية بلغة نخبويّة «لأن الأدب له مكان آخر». ويوضح الكاتب أنّ «مي تجمع تناقضات رهيبة في شخصيتها، سطع نجمها في مصر، كأديبة ومناضلة في زمن كان فيه الأدب والنضال حكراً على الرجال». ويراهن المخرج على النص لأن «أبحاث الكاتب سمير مراد ستصحّح كل المغالطات المنشورة عنها، ويجدر بالمشاهد متابعة ما لم ينشره أحد قبلاً عن مي زيادة». ويذكّر الخوري بـ «أنني لم أمتلك الجرأة على إنهاء دور الكاتب بعد تسلّمي النص، لأنه كان عليه أن يبقى حاضراً حتى مع بدء التصوير كي يجري بنفسه أي تعديل نحتاج إليه». علماً أنّ المسلسل يروي سيرة زيادة، وفي الخلفية تظهر الأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية الخاصة بزمنها. إذاً، وضع مشروع مي زيادة على سكة التنفيذ، والرهان سيكون على بطلة لبنانيّة اشتهرت في مصر، بعدما كانت شخصيّة مي محط أنظار نجمات مصر قبل ذلك، فهل تكسب نور الرهان؟

اولى صور مسلسل الأنسة مي