أيّها اللبنانيّون واللبنانيّات، انسوا أسعار البنزين، وأزمة الرواتب، ومشكلة الكهرباء، وأحزان المسارح المهدّدة بالإقفال. اتركوا كلّ هذا وراءكم، واقصدوا أقرب مسرح في بيروت التي تضجّ ابتداء من اليوم بأحدث تجارب الرقص المعاصر من فرنسا واسبانيا وبريطانيا... إلى تركيا واليابان. الليلة يعود «ملتقى بيروت للرقص المعاصر»، ليؤكّد على دور الثقافة المعاصرة في حياة المدينة المأزومة، وتحديداً على مكانة الجسد بما هو نصّ بديل، الصدارة فيه للفرد.
في دورته الثامنة، يعيد ملتقى Bipod الذي تنظّمه «فرقة مقامات»، تجديد عقده مع الجمهور اللبناني: فرق أجنبيّة عريقة، ومبدعون بارزون، يخترعون الفضاء الآخر للمدينة. الانطلاق الليلة، عند الثامنة والنصف، في «مسرح المدينة» (الحمراء/ بيروت)، مع عرض «تقبيل وبكاء» لميشال آن دو ماي، قبل أن يتوزّع البرنامج على مسارح «مونو»، و«بابل»، واستديو «مقامات»، و«الهنغار/ أمم»، وسينما «ميتروبوليس».
في «تقبيل وبكاء» تأخذنا مصممة الرقص البلجيكية الرائدة في رحلة بحث عن الحب الحقيقي. عرض الافتتاح الذي يقدّم على خشبة «مسرح المدينة» بالشراكة مع مقاطعة والوني بروكسل اليوم وغداً، فريد من نوعه، أو يمكن القول إنّه نوع قائم بذاته. أصحاب المشروع اختاروا فضاءً خاصاً من التجريب، أطلقوا عليه الـ Nanodanse. لن نرى على الخشبة سوى أصابع راقصة، وأكفّاً تمارس الحب، وتنثر الورود، وتتصارع أحياناً. ستدور الحركة في حيّز ضيّق، وسط ديكور مينيمالي أشبه ببيت اللعب. السينمائي البلجيكي جاكو فان دورميل، شريك دو ماي في العرض، يصوّر كلّ ذلك مباشرةً، لبثّه عل شاشة كبيرة. يتحايل الثنائي على فكرة المساحة، من خلال الرقص في فضاء ضيق، ونقل ذلك على شاشة واسعة، تعطي الوهم أن العرض مصوّر، وليس مؤدىً. تقنية تتطلب انضباطاً حركياً صارماً، ليس غريباً على دو ماي، وهي واحدة من روّاد الرقص المعاصر حول العالم، تماماً ككارولين كارلسون، نجمة موسم الرقص المعاصر في بيروت هذا العام، من دون منازع.




الراقصة الأميركية الفرنسية سترقص وحيدةً على المسرح... سيدة «الرقص الفرنسي الجديد»، إحدى مدارس الرقص المعاصر التي طبعت السبعينيات والثمانينيات، خرجت من عالم الباليه الكلاسيكي. بعد عرضها الأسطوري «السيدة الزرقاء»، وتأسيس مدرستها الخاصة للرقص تحت اسم «محترف باريس»، كرّست كارلسون نفسها لما صار يعرف بالشعر البصري. ما ستقدّمه في بيروت، قصائد هايكو، مؤداة، بالجسد. في «قصص قصيرة/ جزر» (19/ 4) تحاور عناصر الطبيعة، الماء، والنار، والهواء، والتراب. حركتها المنسابة كأنّها تمارين اليوغا، أو فنون قتالية هي طقس روحاني، ومحاولة لاندماج مع الكون الأكبر، أو بالأحرى محاولة لسحبه إلى داخلها. من المؤكّد أنّ تواجد كارلسون على مسرح بيروتي سيكون تجربة نادرة تضاف إلى أسماء الرواد الذين استضافهم «بايبود» في السابق مثل وليام فورسايت، وساشا فالتز.
لكنّ وجود كارولين كارلسون في العاصمة اللبنانية لا ينبغي أن يحجب عنا متعة التجارب الناشئة. نفكّر في «باليه بويز» مثلاً، إحدى الفرق الواعدة في بريطانيا التي تقدّم نوعاً من الرقص المعاصر الجماهيري، مع ثمانية راقصين شباب على الخشبة. عرضها «الموهبة» (26 و27/ 4) مستوحى من فكرة التمارين المسرحية خلف الكواليس، ويحمل أجواء سلسلة «فايم» الأميركية الشهيرة، مع مؤدين بأجساد تبدو كأنّها خرجت من إحدى منحوتات ميكلانجلو. بعيداً عن أجواء الاستعراض على الطريقة البريطانية، تأخذنا فرقة «موفوار» الألمانية إلى عوالم «الدانزتياتر» ببصمات المعلّمة الراحلة بينا باوش. المدرسة الألمانية في الرقص المعاصر حاضرة بكلّ ثقلها في «كما لو (كنا هنا)» (21 و22/ 4)، حيث الإيماء وسيلة الراقصين لمواجهة العالم ودسائسه. الجسد في مواجهة العالم، هو أيضاً محور انشغال الكوريغراف الإيطالي فرانشيسكو سكافيتا، الآتي إلى بيروت مع فرقة Wee النرويجية. في عرضه «مشروع الجسد المتفاجئ» (21/ 4) يبحث سكافيتا عن حلول لتعامل الجسد البشري مع هشاشته. الأجساد في وضعيّة تأهّب، والحركة تقوم على الهرب الدائم نحو شكل آخر، فكاهي، وحالم، ورمزي.
إضافة إلى البعد المفاهيمي، نجد على برنامج «ملتقى بيروت للرقص المعاصر» تجارب مختلفة، تركز على التقنية والإبهار. هناك الراقص البلجيكي كلاوديو ستيلاتو الذي يتقمّص في عمله «الآخر» (20/ 4) دور الساحر والبهلوان، ليتحدّى قوانين الحركة، منفذاً التواءات صعبة داخل صندوق خشبي. هنالك أيضاً رقص ثلاثي الأبعاد، ابتكره الثنائي الإسباني بابلو بالاسيو ومورييل روميرو، في عرضهما «ستوكوس» (25/ 4). العمل قائم على خلق ذبذبات صوتيّة وضوئيّة وحركيّة. جسدان راقصان يحاوران خطوطاً وظلالاً وأصواتاً.
أما ذورة الإبهار، فسيبلغها المهرجان ليلة الختام، أي عند الثامنة والنصف من مساء 29 نيسان (أبريل) الجاري، مع المصمم والراقص الياباني هيرواكي أوميدا. هذا الرجل حالة خاصة في عالم الرقص المعاصر، فهو لا يجول مع فرقة، ولا يحمل تجهيزات، ولا ديكورات، ولا أزياء. كلّ ما يستخدمه في العرض جهاز كومبيوتر يضعه في غرفة الريجي، يضغط على زرّ التشغيل، لتنطلق منه أشكال وألوان غريبة. في عرضيه «الطبقات الشمولية» و«تراكم كوني»، يدخلنا في لعبة شيطانية ممتعة مع التكنولوجيا. لكن ليس هناك ما يدعو إلى القلق، كل ما ستشاهدونه هو فالس مع... جهاز اللابتوب!



■ «ملتقى بيروت للرقص المعاصر»: ابتداءً من اليوم، وحتى 29 نيسان (أبريل) الجاري، في فضاءات مختلفة من بيروت. الليلة 8:30 «تقبيل وبكاء» لميشال آن دو ماي مع جاكو فان دورميل في «مسرح المدينة». للاستعلام: 01/343834
■ «مهرجان عمان للرقص المعاصر» بين 22 و28 نيسان الجاري
■ «مهرجان ران للرقص المعاصر» بين 19 الجاري و3 أيار (مايو) المقبل