تنهض أطروحة التونسي عبد الله جنّوف «حياة محمد قبل البعثة ـــ التاريخ والبشارة والأسطورة» (دار الطليعة) على فرضية أساسية: تفكيك الأسطورة التي أحاطت بنبي الإسلام قبل التوحيد ونزول الوحي عليه عبر نقد كتب السيرة النبوية وأدبيات البشائر. ورغم أنّ ما وصل إلينا عن حياة الرسول قبل البعثة قليل، إلا أنّ المصادر الإسلامية قدمت معلومات غزيرة نسبياً غلب عليها الطابع الخيالي. مع ولادة محمد في عام الفيل كما هو متفق عليه في المصادر العربية والدراسات الحديثة، تبدأ رحلة الأسطورة. يرى الكاتب أنّ المقصد من ربط ولادة النبي بهذا العام القول إنّ حياته مرسومة بتدبير إلهي (شهد ذاك العام حملة على مكة قادها أبرهة ملك اليمن وهدفت إلى إحياء المجد التجاري لبلاد اليمن). والغاية من هذا التدوين التركيز على مسألة أساسية وهي حماية الله للرسول وهو جنين من السبي، وهذه الرواية أوردها الماوردي.
لم يكن عام المولد هو الذي مثّل بداية ترسيم الأسطورة في نصوص البشائر، فكتب السيرة تُثير الكثير من اللغط بشأن اسم محمد الذي يوحي بأنه اسم قرآني، لكنه كان معروفاً في الجاهلية. وقد انتشرت أخبار استقاها المدونون من أهل الكتاب ومن الكهان تبشر بانبعاث نبي عند العرب اسمه محمد. وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الحجة التي يعتمد عليها واضعو السيرة النبوية، فقد بذلوا جهداً كبيراً لإثبات فضائل النبي عبر إظهار خصائص مازته عن الناس. وتجلى ذلك في محطات عدة، من بينها أساطير الختان التي جاء فيها ثلاثة أقوال: الأول أنه وُلِد مختوناً، والثاني أنّ جبريل ختنه، والثالث أنّ جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع وصنع له مأدبة وسماه محمداً.
حاولت أدبيات البشائر تنزيه محمد قبل البعثة، والغاية الفصل بين الرسول المنتظر وعادات الجاهلية، وقد امتد هذا التنزيه الى القول بأنّ محمداً كان يتجنب اللعب مع الأطفال تفادياً لتأثره بعادات أهلهم. هذا التوجه لا يقنع الكاتب، فيؤكد أن «محمداً كان في طفولته سوياً يلعب مع الأطفال كما أخبر هو عن نفسه، متحدثاً عن زيارة يثرب مع أمه، حيث قال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأُطم، وكنت مع غلمان أخوالي نطيّر طائراً كان يقع عليه». ويخلص الكاتب الى أن إعراضه عن اللهو في مراهقته يعود الى موقف آمن به بعد تأثره ببعض أهل مجتمعه، إذ كان تحريم الخمر والزنا سلوكاً معروفاً في الجاهلية.
يعتبر موضوع العقيدة والعبادة في حياة النبي قبل البعثة من أخطر الموضوعات. هل كان الرسول على عادات الجاهليين في عبادة الأصنام؟ يحيط جنوف القارئ بالأجواء الدينية التي عاصرها الرسول على قاعدة التمييز بين فريقين: فريق أول يعبد الأصنام ويذبح لها، وفريق ثان ينكرها ويعرف بالحنفاء الذين خرجوا من مكة يطلبون «الحنيفة دين إبراهيم»، فإلى أيّ من الفريقين اقترب الرسول؟ يخرج الكاتب برأيين: الأول أنّ محمداً نشأ على التوحيد من حين ولِد، والثاني أنّه قبل بعثته، كان يشهد الأوثان ويستلم الأصنام ثم هجرها بنهي من زيد بن عمرو (أحد الأحناف). أما الخلاصة التي يعلنها، فهي أنّ محمداً كان لديه استعداد كسبي، وأن عقيدته تشكلت على قاعدة الالتماس من دون الانتقال من الشرك الى التوحيد، وهذا ما يسميه المحدث أبي النصر محمد بن مسعود بن عياش «كان في طلب ربه».
«حياة محمد قبل البعثة» يهدف إلى تفكيك الأسطورة التي أحاطت بالنبي قبل الوحي. لا يسعى جنوف هنا إلى زعزعة الثوابت، إنما غربلة الأخبار التي جُمعت في كتب السيرة بغية الفصل بين الموضوعي والمؤسطر.
13 تعليق
التعليقات
-
نصيحة للكاتبأخي العزيز كاتب هذا الكتاب الرائع أرجوك لا تهتم بما يعلق السفهاء المختوم على عقولهم ونصيحتي أن تكتب لنا نحن أما هؤلاء الغوغاء من يتهمونك بالكفر لمجرد أنك تستخدم عقلك فهم إلى انقراض وزوال بمنطق التطور حتما مع مودتي
-
عبيد الاشخاص والأساطيرانا انسان مسلم، مؤمن برسالة محمد ولكن لا أعبده، أتمثل بأهل بيته ولا اؤلههم، واتمنى لو كان لدي المعرفة والسبيل لدراسة تاريخنا بشكل علمي. قد يخطأ الباحث وقد يصيب ولكن الافضل لامتنا ان يبحث أبناؤها عن الحقيقة على ان نترك المستشرقين يضربون خبط عشواء عند باب لغة عظيمة لا يتقنونها ولن ... قال الامام علي: الفرق بين الحق والباطل اربعة أصابع فإلى متى سنقول حدثنا عن عن عن عن عن ...
-
أبدأ من النهاية "إنما غربلةأبدأ من النهاية "إنما غربلة الأخبار التي جُمعت في كتب السيرة بغية الفصل بين الموضوعي والمؤسطر." كتاب سيّد القمني "حروب دولة الرسول" يفصل بين محمّد النبيّ ومحمّد رجل الدولة ,ويظهر الكثير من المفارقات التي كنّا لنمرّ عليها سابقا ,مفارقات اعتمد لتوثيقها كتب السير والسنّة ولم يأتِ بها من عنده ومع ذلك بعمليّة الفصل تلك وجد كثيرا من الرافضين لهذا الاسلوب . شكرا لأيّ جهد يحترم العقل ويدفع به إلى التفكير أنّى أخذه دون تسفيه وتحقير للرأي الآخر والمطلوب من الطرف المقابل ذات الشيء واحترام هذا الجهد وأعتقد أنّ المؤمن يدرك أنّ الله لم ينهه عن التفكير أليس كذلك !؟
-
بلاء عظيم2وقد جهد علماء المسلمين من السنة والشيعة لوضع قواعد تحقيقية لتمييز الصحيح من المختلق(وهو كثير) إعتمادا على أحوال الرواة والعقل وغيره وإعتمادهم كان على العقل لا الخيال إذ أن وصف بعض التراث إعتباطيا بأنه خيال دون دليل عقلي أو حسي ("لا أن عقلي لا يتقبل هذا الأمر" فهو نفسه من الظن والخيال) لذا أدعو بعض المتنورين ليتواضعوا قليلا وليراحعوا أساليب علماء المسلمين في النقد وسيجدون أنها طرق وأساليب بالغة التطور والعقلانية ..أيضا قالت كاتبة المقال"ورغم أنّ ما وصل إلينا عن حياة الرسول قبل البعثة قليل، إلا أنّ المصادر الإسلامية قدمت معلومات غزيرة " وهذه مغالطة إذ أن كل المصادر التأريخية(الأولية) التي أرّخت لحياة النبي هي مصادر إسلامية فما معنى العبارة هذه إذن
-
بلاء عظيم1إن من بلاء هذه الأمة أنها أبتليت بجماعة متنورين من أهل العقل والتطور والحداثة ما إن يحصل أحدهم على لقب "دكتور" حتى يعمد هؤلاء إلى التراث الإسلامي "ليمحصوه" بأعينهم المبهورة بالمادة والماديين و يغفل هؤلاء عن أن القواعد العلمية تقتضي عدم إثبات أو نفي أي شيء دون دليل, الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى دليل هو كلمة "لا أعرف"..ينفي هؤلاء بعض الروايات التاريخية لمجرد أن عقولهم المتفتحة لم تقبلها..وقد ترى أن بعضهم يكثر النقد للمستشرقين لكنه من حيث لا يدري يقع في فخهم لينفي أو يشكك ببعض الأحداث التاريخية فقط لأنها لا تناسب "الحداثة" المادية المقيتة(وقد ينقدها الكاتب نفسه دون أن يشعر أنها تتلبسه وتعشعش في قلبه)..في الحقيقة أنا لم أقرأ الكتاب لذا تعليقي ليس موجها ضده (وإن كان يبدو من المقالة وتعليقة الكاتب أنه من الكتّاب "المتنورين" والله العالم)ولكن علينا التأكيد أن دراسة ونقد تراثنا وتأريخنا أمر هام يجب القيام به لكن ليس أكاديمي حاصل على لقب دكتور يستطيع فعل ذلك فهذا أمر يحتاج إلى قدر كبير من الموضوعية والأدوات العلمية
-
الشطارةيعني ما اشطر من كاتب الكتاب الا الذي كتب مقال عن الكتاب و ما اشطر من الاثنان الا الذي نشر المقالة عن الكتاب. يعطيكم العافية. يعني اذا كانت اخبار الرسول منشورة بكثافة في كتب السيرة و الحديث و مع هذا يطلع البعض و يتفذلك. و لك جعل......للكاتب و الصحفي و الجريدة
-
ههه انا مستغرب ليش ما كفروهههه انا مستغرب ليش ما كفروه للكاتب الى الان ؟!؟!؟! الشبيبة ملتهيين بالثورات و ما فاضيين ..
-
المقدس مقدسالمقدس في وجدان البشر مقدس الى حد المطلق ولا يجوز لأي كان ومهما كان وكائناً من كان ان يتطرق اليه بأية شبهة أياً كانت هذه الشبهة حتى ولو كانت بحسن نية وان ثبتت فمابالك بغير ذلك .السيد مجهل صاحب عنوان"رساك الكاريكتير العربي" محق 100% وليسمح لي ان أزيد على رأيه هذا البيت من الشعر:لاتنه عن خُلُقٍ وتأت بمثله عار عليك ان فعلت كبير.
-
رسام الكاريكاتير العربيعندما نرى هكذا عرب لا نستغرب أن يعمد بعض الغرب إلى رسم الكاريكتير المسيئ للرسول (ص) فإذا كان صاحب البيت بالطبل ضارب فما شيمة أهل البيت إلا "الإساءة"
-
محاولة فاشلةان مؤلف الكتاب بسعى الى ما اسماه " تفكيك الاسطورة " حول النبي محمد ( ص ) ، وهذا كلام في غير محله ، فمن اخبر هذا الكاتب بأن النبي (ص) : " قبل بعثته، كان يشهد الأوثان ويستلم الأصنام ثم هجرها بنهي من زيد بن عمرو (أحد الأحناف) " ؟؟؟!! هذا افتراء محض على شخص النبي / فليذهب الكاتب لأن يزيل الشبهات عن معتقداته اولا قبل ان يدعي ان ما حصل للنبي ومعه كان اسطوريا ، هو يريد النقض وليس النقد ، وحبذا لو تختارون لنا كتبا اهم وارقى من هؤلاء الاشخاص الذبن لا هم لهم سوى التطاول على الرموز الدينية بعنوان النقد وغربلة التاريخ !!