لا يختلف اثنان على أنّ لوحة «مارلين مونرو» لأندي ورهول قد تكون الأشهر التي أنتجت في الستينيات، وما زالت حتى اليوم مصدر وحي لأعمال لا تنتهي. في عام 1953، التقط المصور الفوتوغرافي جين كورمان صورة إعلانية لمارلين مونرو خلال تصويرها فيلم «نياغارا». من المؤكد أنّ كورمان ما كان يدري أنّ تلك الصورة سوف تصبح «أيقونة البوب آرت».
أندي ورهول، رائد البوب الآرت الأشهر في العالم، أنجز ـــ انطلاقاً من صورة كورمان ـــ اللوحة الأولى للنجمة فور تلقيه خبر وفاتها عام 1962. توسّطت مونرو تلك اللوحة المطلية بلون ذهبي، بعدما طبع وجهها بتقنية الشاشة الحريرية. بالغ في اصفرار شعر النجمة الأشقر، وظلل جفنيها بلون أخضر تدلى على عينيها، كما زيّنها بأحمر شفاه خرج قليلاً عن شفتيها. أراد لألوانه أن تنزلق على وجه إحدى أجمل نساء العالم كعلامة على فقدانها، وللمأساة التي عايشتها في أواخر أيامها. أسلوب في الرسم سيعتمده ورهول ضمن تلك السلسلة، يستند إلى التقليل من التفاصيل، وتضخيم الخطوط، والمبالغة في التعابير.
كرر ورهول الصورة نفسها في لوحات عدة، وبألون مختلفة، لكن ما يميز اللوحة الأولى هو توسط وجه مونرو تلك المساحة الذهبية، ما يعيدنا إلى فن رسم الأيقونات البيزنطية، حيث تطلى خلفية بورتريهات القديسين باللون الذهبي. وبذلك، وضع ورهول نجمة هوليوود في مقام التبجيل، ليكرسها «عذراء» العصر الجديد، وهوليوود، والجمال، والجنس. عبر تقديس النجمة، أراد ورهول أن يستثمر المقام الألوهي عبر نقيضه. الأيقونات تظهر القديسين في أجمل وأبهى صورة، أما مارلين فنجدها مشوهة، تنقصها الدقة.
رغم التقدير الكبير الذي كان الفنان الأميركي يكنّه لشخص النجمة، ومسيرتها، وجمالها، إلا أنّ اهتمامه كان منصبّاً على ظاهرة الشهرة التي تخلقها وسائل الإعلام وتحوّل الشخص إلى سلعة، سرعان ما ترمى للبحث عن ظاهرة جديدة. وكما تنتج أخطاء طفيفة في بعض السلع بسبب الآلات، كذلك فعل ورهول في لوحته الثانية «لقطة لمارلين مونرو». عمل مؤلف من لوحتين، يعيدنا أيضاً إلى تقليد الأيقونات المتقابلة في التقليد البيزنطي. في القسم الأول، يتكرّر طبع وجه مونرو المأخوذ من اللوحة الأولى بالألوان، مع فروق بسيطة، وأخطاء في تكرار الطباعة، مظهراً بذلك تشوّه شخصية مارلين الحقيقية بعيداً عن النجومية. تظهر حية بالألوان، وبقدسية وجهها الذي تشوبه الأخطاء. وفي الجزء المقابل من اللوحة، تظهر عديمة اللون، مفتقدةً تفاصيل وجهها مع تكرار الصورة انعكاساً لقصة حياتها المأسوية. ذلك التلاشي والموت الذي لطالما شغل ورهول في أعماله، حكى عنه مرةً في عبارة «15 دقيقة من الشهرة» وصف فيها المدة القصوى التي يحتلها الفرد في عالم الشهرة، قبل أن يتلاشى كل شيء.
واصل هوس ورهول بلوحات مونرو، فأعاد طبعها مراراً ضمن لوحات متعددة، مستعملاً ألواناً مختلفة، وأضاف إلى السلسلة لوحات لشخصيات أخرى كجاكلين كنيدي، والممثلة ليز تايلور... إلى أن أصبحت لوحة مونرو التي أنتجت من زاوية النقد «لصناعة الشهرة» واستغلال الميديا لها، من أشهر لوحات القرن العشرين. تعدّت إطار اللوحة لنجدها على الثياب، والجزادين، والمفروشات، وخصصت لها برامج على الكمبيوتر، حيث بإمكان أي فرد تحميل صورته، وتحويلها إلى لوحة مونروية/ ورهولية. وقد تكون من أبرز الأحداث التي واكبت شهرة تلك اللوحة، المداخلة الفنية التي أجراها رسام الغرافيتي البريطاني الشهير بانكسي. في 2008، قدّمت غاليري في لندن معرض «ورهول ضد بانكسي». هناك، عُرضت لوحة مونرو/ ورهول مقابل ست لوحات أنجزها بانكسي استبدل فيها وجه مونرو، بوجه عارضة الأزياء كايت موس. وما كان من فنان الغرافيتي إلا أن حضر خفيةً في منتصف ليل افتتاح المعرض، ورسم على أرض مدخل المعرض غرافيتي مونرو/ ورهول الأصلي، ليزيد لوحة إلى سلسلة الأعمال التي نتجت من الصورة الأصلية لامرأة لن تمحى صورتها من التاريخ.