للمرة الأولى، يصدر ألبوم يجمع أكبر عدد من مغني الراب في العالم العربي، بمرافقة موسيقيين ومغنين وشعراء. العمل الذي يحمل عنوان «فصل» يرفع شعار «كسر الحدود» الجغرافية، والاحتكار التجاري للموسيقى، فنُشر على فايسبوك ويوتيوب كي يشاهده الجميع. أنتج العمل وألّف موسيقاه «أسلوب» (عمرو) أحد أعضاء فرقة «كتيبة 5» الذي دخل حلبة الراب منذ 14 سنة. وها هو يوّسع بيكاره ليعمل مع مغنين وموسيقيين في مخلف أنحاء فلسطين، والأردن، ولبنان، وسوريا.
في استديو تحت الأرض، بالقرب من مخيّم برج البراجنة، يجلس عمرو وسط صور لغيفارا، وبوب مارلي، وأبو عمار، ودلال المغربي ورفاقها معلّقة على الجدران. هنا، عمل الفنان الشاب طوال ستة أشهر على المراسلات والتسجيلات. أرسل المقطع الموسيقي الذي ألّفَه للفنانين، ثم انهمك كل مغنٍّ بالبحث عن أفضل شروط لتسجيل صوته على الموسيقى. هكذا، جاء الألبوم كناية عن مقطوعة واحدة، يتوالى عليها كل فنان مشارك، وتتغيّر الكلمات بحسب الهمّ والمعاناة التي يقدّمها المغني من المنطقة الآتي منها.
«مجرد قدرتنا على التواصل بعضنا مع بعض أمرٌ أسطوري» يقول عمرو، الذي يعتبر الألبوم رسالة تهدف إلى كسر الحدود، مضيفاً إنّ «مقدسي» (فادي الطويل) من فرقة «اجتياح» لعب دوراً مهمّاً في لمّ الشمل بسبب تواصله من القدس مع زملاء الراب في غزة، ورام الله، وعمّان، وإربد.
يسهم الألبوم أيضاً في التعريف بأسماء جديدة من فلسطين المحتلة، تضيف في كلامها معاناة أخرى غير الاحتلال. إنّها المعاناة الناتجة من أشكال الحكم الذاتي، وتفاصيل أخرى في مناطق لا نعرف عن ناسها وحكاياتهم إلا القليل.
«لمغني الراب شيء يريد قوله. معاناة، أو قصة يريد إخبارها، وليس مجرد الغناء» يقول عمرو، مضيفاً إنّ الساحة العربية تشهد اليوم محاولات جدّية وناضجة «لا تقع في الاستعمال الغبي للقافية، ولا تستخدم الجمل أو الكلمات لسدّ الفراغ». ويرى أنّ ما تشهده بعض البلاد العربية من ثورات واحتجاجات ألهم العديد من المغنين وأظهر جيلاً جديداً منهم، «إلا أن العالم العربي لا يزال يستوعب الراب ببطء شديد».
نجح القليل من فناني الراب العربي في تقريب هذه الثقافة وتعريبها عبر إتقانهم لعبة لغة الضاد، وهي ليست لعبة سهلة، كما ليس سهلاً إدخال أصوات الآلات الشرقية لإضفاء صبغة من ثقافة «ابن المنطقة».
في الراب العربي، تُسجّل محاولات تتمتع بالنجاح والصدقية خرجت من قلب الأحياء الشعبية في مختلف أنحاء العالم العربي. أحياء تشبه تلك التي خرج من معطفها فنّ الراب في الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً في أوروبا، فكلام الشارع ومشاكله ولغته ومفرداته كالفقر، والبطالة، والظلم، والتمييز، والاستعمار تبقى أكثر جدية في الطرح عندما يقدّمها مَن عاناها.
في ألبوم «فصل»، يفتتح «شاهد عيان» من فرقة «كتيبة 5» الكلام بـ: «بترتكب جرم النضال، بتنكتب على قوائم اغتيال/ متّهم بمقاومة الاحتلال، متّهم بالسلاح، بمعركة وجود متّهم بالوجود». ثم يتبعه المغني تلو الآخر، ليقدّم كل واحد لسان شارعه ومدينته ووطنه وهمومه، ترافقه أحياناً بعض الآلات الموسيقية أو يقدّم له شاعر أو صوت أو مشهد من فيلم. أما المشاركون فهم: فرق «ترابية» (رصاصة وكاز ـــ الأردن) «اجتياح» (مقدسي ووطن ـــ القدس)، و«كتيبة 5» (شاهد عيان، عبد الجبار وأسلوب ـــ بيروت) «أي فويس» (فلسطين)، إضافة إلى رامي جبين (رام الله)، خالد مرارة ومحمد عنتر (غزّة)، إدوار (فريق الاطرش)، وريس بيك (بيروت)، وساطي من الأردن.
في تجربة «كتيبة 5» نوع جديد لفن ملتزم يذكّر بالفن الذي رافق البندقية أيام انطلاق الفدائيين من لبنان، إن كان عبر الموسيقى والإيقاع القوي القريب الى المارش العسكري أو بالكلام الداعي إلى المقاومة المسلّحة. كثيراً ما نسمع في أغنياتها مقاطع من خطب لقادة المقاومة الفلسطينية في مختلف التنظيمات والفصائل، أو إلقاء لمحمود درويش قبل أن ننتقل الى الكلام الذي رسم مضمون طريق الفرقة منذ انطلاقها. العدد الكبير من فناني الراب المشاركين في ألبوم «فصل» فرض تنوّعاً في الهموم بحسب المنطقة الممتدة على رقعة الوطن العربي، إلا أنّ أغلب المغنّين أجمعوا على نصرة القضية الفلسطينية.