القاهرة | لعلّها سابقة في مصر أن يحاكم فنان أو مبدع على مجموعة أعمال قدّمها في الماضي. على أي حال، ما حصل مع عادل إمام أشعر كلّ العاملين في الوسط الفني والثقافي بالخطر المحدق بالمشهد. «طيور الظلام» لن تحاصر عادل إمام وحده، بل سترخي بظلالها السوداء على حرية الإبداع في المحروسة. انطلاقاً من هذه القناعة، جاءت حملة التضامن الأولى مع «الزعيم» منذ سنوات طويلة. الفنان الذي اتُّهم بالانحياز لنظام حسني مبارك، واختلف معه زملاؤه طويلاً، لا يقف وحده الآن في مواجهة القرار القضائي الصادر بحقّه، فالخطر يهدد الجميع. وكانت «محكمة جنح الهرم» قد أيّدت الثلاثاء الحكم الصادر بحبس إمام ثلاثة أشهر في الدعوى التي تتهمه «بازدراء الأديان والإساءة إلى الإسلام من خلال أعماله الفنية» التي قدّمها في الماضي (أفلام «حسن ومرقص» و«الواد محروس بتاع الوزير»، و«مرجان أحمد مرجان»، و«طيور الظلام» و«الإرهاب والكباب»، و«الإرهابي» ومسرحيتا «الزعيم» و«الواد سيد الشغال»).
هذا القرار أثار ردود فعل كثيرة في الوسط الفني الذي انضوى تحت معركة واحدة هي معركة الدفاع عن حرية الإبداع التي دخلت نفقاً مظلماً على ما يبدو. حملات تضامن مع الممثل المخضرم انطلقت على الأرض والشبكة العنكبوتية على حد سواء. وأوّل التحرّكات تقام اليوم الخميس عبر مسيرة تنطلق من «مسرح ميامي» في القاهرة متوجهةً إلى دار القضاء العالي للاحتجاج ليس على حكم القضاء فحسب، بل على مناخ الارهاب الذي بات يحاصر الفنانين. وتزامناً مع تلك المسيرة، تنطلق تظاهرة أخرى للمرة الأولى داخل الإسكندرية وتحديداً من «مسرح بيرم التونسي». وكالعادة، تقيم «جبهة الإبداع المصري» كلتا المسيرتين، بينما يجتمع مجلس نقابة الممثلين المصريين بشكل طارئ غداً الجمعة لبحث سبل التضامن مع نجم «الإرهاب والكباب».
أما الحكم نفسه، فما زال قابلاً للطعن في درجة التقاضي الأخيرة وفق ما أكّد محامو عادل إمام الذي التزم الصمت وسيدفع كفالة لعدم تنفيذ القرار حتى يتم النظر في الطعن. من الناحية القانونية، هناك العديد من الاجراءات التي قد تحول دون الحبس الفعلي، وإن كان لا أحد يضمن في مصر اليوم أن يصدر حكم نهائي بالحبس ضد الممثل المصري الأشهر في السنوات الثلاثين الأخيرة. وقتها، قد يضطر إمام للبقاء خارج أرض الكنانة حتى لا يدخل السجن الذي ذاق طعمه مراراً من قبل لكن كبطل على الشاشة الكبيرة. غير أنّ التفاصيل القانونية الخاصة بقضية إمام ليست ما يشغل الوسط الفني في مصر حالياً، بل إنّها الثغر القانونية التي تجعل المبدعين تحت رحمة المتشددين. على أي حال، يبدو أنّ الفنانين صاروا رأس الحربة الآن في هذه المعركة، وهم واعون تماماً لخطورة هذه السابقة القضائية. لذا، جاءت ردود فعلهم كبيرة سواء عبر تصريحاتهم، أو عبر حملاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. «جبهة الإبداع المصري» التي نشأت بعد تسلم الإسلاميين الحكم، أصدرت بياناً أعلنت فيه أنّ «الحكم بحبس عادل إمام (...) هو خروج عن السياق العام الذي تحياه الأوطان (...) واعتداء على حريات كفلتها للإنسان كافة الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية». وتابعت أنّ «الفنان كان ولا يزال جزءاً لا يتجزء من ضمير الوطن». وجلّ ما يخافه الفنانون المصريون اليوم ما عبّر عنه الكاتب علاء الأسواني على تويتر حين كتب «حبس عادل أمام بسبب أدواره الفنية معناه أننا عدنا إلى العصور الوسطى».