في «متروبوليس أمبير صوفيل»، تحتفل ريما خشيش اليوم بإطلاق ألبومها الجديد الذي هو عبارة عن تسجيل حيّ لحفلة قدّمتها في «الجامعة الأميركية في بيروت» 2011). أسطوانة «مِنْ سحر عيونك» أرادتها الفنانة الأنيقة تكريماً لصباح عبر استعادة باقة من الأغنيات التي أدّتها «الشحرورة» في أفلام عربية من إنتاج الخمسينيّات والستينيّات. قبل عشر سنوات، بدأت ريما بتوثيق نتاجها الفنيّ، بعدما قدّمت عشرات الحفلات في التسعينيات.
يومها أيضاً اعتمدت التسجيل الحي (من حفلتيْن في هولندا)، مع أسطوانة «قطار الشرق» التي حملت توقيع فرقة The Yuri Honing Trio الهولندية رغم مشاركة ريما الأساسية فيها. تشابه الإصدار الأول والأخير لناحية التسجيل الحيّ، يقابله اختلافان جوهريّان: اللجوء بالأمس إلى التصرُّف بالشكل الأصلي للكلاسيكيّات العربية عبر تقديمها في إطار جازي أوروبي، مقابل الأمانة في استعادة هذه الباقة من أغنيات صباح. ثانياً، تنوّع الريبرتوار في «قطار الشرق» بين الغناء المصري (أسمهان وأم كلثوم) واللبناني (فيروز) والحديث (أغنية خاصة) وتوليف أغنية لبيورغ... مقابل تحيّة حصريّة لـ«الشحرورة». ماذا بين هاتيْن المحطتين؟ بدايةً، «قطار الشرق» الذي بدأت به ريما مسيرتها المسجَّلة، أوضَحَ للذين لم يتابعوا حفلاتها التي سبقت هذا الإصدار، أنّ الفنانة اللبنانية لم تركب قطار الشرق الجديد الذي حمل أغنيتنا إلى محطة «روتانا». هذا ما أكّدته ريما في عملها الثاني «يالّلي» (2006)، أفضل ألبوماتها الأربعة، وثبّتته في الثالث «فَلَك» (2008). العنوانان الأخيران يمكن وضعهما في خانة واحدة: استعادة كلاسيكيات عربية طربية شعبية أو تقليدية، أعمال خاصة، وقالب عام جديد، جازي عموماً (للكلاسيكيات)، ونفس حديث (للأغنيات الجديدة)، وتنفيذ متقَن إجمالاً. أما الدور الأبرز الذي لعبته ريما (خصوصاً في «يالّلي» و«فَلَك»)، فهو تقريب وجهات النظر بين الجيل الجديد والفن القديم. حرصَت على عدم تنفير الشباب من ماضٍ لم يعد يشبههم، وعلى عدم الإساءة إلى ماضٍ نظيف وسط الاستعادات الاستهلاكية (عرّابها وديع مراد). وبالفعل نجحت رغم بعض التعثّر في إعادة تقديم روائع بشكل أفضل من الأصل. على الأقل، ارتضت ريما تعرضّها للنقد في سبيل إزالة الغبار عن كنوز منسية وتبديد الغشاوة عن آذان جيلها.
أما «من سحر عيونك»، فجاء تحية إلى «الشحرورة». للمرّة الأولى في نشاطها المسجّل، تلجأ صاحبة «يالّلي» إلى الأمانة في استعادة الكلاسيكيات، لناحية الإعداد الموسيقي والغناء. لم يمنع ذلك من وجود بعض التعديلات أو الإضافات الطفيفة في المرافقة والفواصل الموسيقية (والتقاسيم بطبيعة الحال)، كما في التصرُّف الغنائي والتطريب، خصوصاً في المحطات المُرسلة (مواويل، مساحات حرّة إلى حدّ ما في اللحن). بالتالي، تفتح ريما هنا باب المقارنة مع صباح، حيث يصبح من واجبها أن تتساوى معها بالحدّ الأدنى، فإذا كانت جدوى الحفلة هي اللحظة الحيّة، فما جدوى إصدار الأسطوانة؟! الفرقة (تخت شرقي موسّع وكورال) أدت مهمتها على أكمل وجه، لكن في الواقع، أتت النتيجة محيِّرة: قدّمت ريما إضافات قيِّمة أو رفعت تحدّيات صعبة جداً («مِن سحر عيونك»، «أحبك ياني»، «حبيبة أمها»، «روح على مهْلك»...)، وانزلقت في هفوات طفيفة، بعضها لا يجوز التوقف عنده في التسجيل الحيّ، («الغاوي»، «يا كاويني يا علي»...) وسقطت في مطبّ الفولكلور اللبناني. شكّلت أبيات العتابا والمواويل الفولكلورية النَفَس التي تتخلل بعض الأغنيات («مرحبتيْن»، «عالندّا»، «رايحة قابل حبيبي»...) الحلقة الأضعف في الأسطوانة. المشكلة أنّ هذا اللون الغنائي لا تكفيه القدرات الصوتية، ولا يُتقَن عبر القنوات الأكاديمية. هو يتسرّب إلى النفْس عبر الماء والهواء والبيئة. إنه كاللغة، إذا لم تتربَّ عليها، يستحيل أن تتملكّك. أجمل دليل على هذه الحقيقة هو جوزيف صقر الذي «يقول» العتابا بالسهولة التي تغرّد فيها الحساسين في الصيف.
بعيداً عن الجانب الموسيقي، ثمة ملاحظة تخصّ الصوت. كان من الأفضل تحاشي التسجيل في «أسمبلي هول» ذات الهندسة الكنائسية، حيث الصدى مقصود ومطلوب لدواعٍ روحانية وتأمّلية. حتى أنّ ذلك بات متوافراً كـ«مؤثرات خاصة» تضاف عبر البرامج الصوتية إلى بعض التسجيلات (عمل ديني مسجَّل في قاعة عادية مثلاً). لكن النتيجة، نسبة إلى الظروف الصعبة (هندسة الصالة، الجمهور،...) لافتة، بل ممتازة. على أي حال، يرتقي هذا العمل إلى التكريم اللائق بعدما شاهدنا مسلسل «الشحرورة» الذي أساء إلى صباح من كل النواحي.

إطلاق أسطوانة «مِنْ سحر عيونك»: 6:00 حتى 9:00 مساء اليوم ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الاشرفية ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/204080



حفلتان ودويتو

توقّع ريما خشيش اليوم ألبومها الجديد «من سحر عيونك» في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» (من السادسة حتى التاسعة مساء). كما تضرب موعداً لجمهورها خلال شهر أيار (مايو)، الجاري، من خلال حفلتين تقدّمهما ليلتي 25 و26 أيار في «مسرح المدينة» (الحمرا ـــ بيروت). خلال الأمسيتين، ستقدّم الفنانة اللبنانية برنامجاً مختلفاً لا يتعلق بألبومها الجديد. الحفلتان ستكونان عبارة عن مجموعة دويتوهات تقدّمها ريما مع أربعة موسيقيين، كلّ على حدة.