رغم تراجع الإعلام التقليدي والصحافة المطبوعة أمام الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، وصف تقرير «لجنة حماية الصحافيين 2012» السعودية كثامن أسوأ عشر دول في العالم في قمع الإعلام، تليها كوبا. القرار الملكي الذي صدر في أيار (مايو) 2011 قضى بتغيير قانون المطبوعات السعودي الذي يتضمن غرامات باهظة، وأعطى الحق لوزير الإعلام السعودي بمنع ومصادرة وحجب أي موقع أو صحيفة. بعدها، بدأت حملات غير مسبوقة على صحافيين وكتاب وحقوقيين في الصحف الرسمية السعودية، رداً على مقالات وبيانات تطالب بالإصلاح وتدعم الوصول إلى دولة القانون والملكية الدستورية.
قبضة النظام ازدادت مع هبوب رياح الربيع العربي على الدول المجاورة للمملكة. كما هو معروف، فرؤساء الصحف الرسمية يعيّنون من داخل وزارة الداخلية، القلعة الأمنية التي يترأسها ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز آل سعود منذ عام 1975. هجمة النظام قوبلت بتحركات معاكسة للشباب السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت ظهور رأي جديد ومغاير لما ينشر، وخصوصاً على موقع تويتر الذي بات يسمى في السعودية «برلمان الشباب» المشغول بقضايا الحريات والفساد.
الرقابة في المملكة تأخذ عادة بعدين: سياسي وديني. يقوم النظام السياسي بمراقبة الكتب والصحف والكتّاب تحت طائلة التعرض للإيقاف عن الكتابة والسجن، مثل نذير الماجد المعتقل منذ آذار (مارس) 2011 على خلفية كتابته مقالات تحرّض على ثقافة الاحتجاج والثورة. كذلك، قامت السلطات منذ شباط (فبراير) الماضي باعتقال ثلاثة مديرين لمواقع انترنت غطت احتجاجات المنطقة الشرقية، هم: حبيب المعاتيق وحسين السالم اللذان كانا يديران «شبكة فجر الثقافية»، وجمال آل جمال الذي يدير موقع «العوامية» وتم تعطيل الخدمة في هذه المواقع، في الوقت الذي تمنع فيه السلطات دخول أي صحافي أجنبي لتغطية الأحداث في المنطقة الشرقية من المملكة. أما البعد الديني للرقابة في السعودية، فيأخذ شكل محاولات ترهيب كل من يكتب بعيداً عن سيطرة العقل السلفي الجمعي. هكذا، شهد الرابع من شباط (فبراير) 2012، حملة تكفير ومناشدات بالقتل في ظاهرة غير مسبوقة في المملكة، ضد الكاتب والصحافي حمزة كاشغري الذي كتب تغريدات على تويتر في المولد النبوي، اعتبرت مسيئة للنبي محمد. وبعد ثلاثة أيام، أعلنت صحيفة «البلاد» التي يعمل فيها حمزة كاشغري تخليها عنه بحجة «عدم ملاءمة توجهه منهج عمل الصحيفة»، قبل أن يعتقل في ماليزيا بعد هروبه وترحيله إلى السعودية للمحاكمة.
من جانب آخر، خرج تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» بتقرير يتهم فيه دولة الإمارات بالاعتداء على حرية التعبير. دولة المشايخ التي شهدت مطلع نيسان (أبريل) الماضي حملة اعتقالات طالت نشطاء ومدونين معروفين باسم «الإماراتيين الخمسة» بعد نشرهم تصريحات على موقع «منتدى الحوار الإمارات» المحظور، وشنت عليهم الصحف الرسمية الإماراتية حملة تخوين وإساءات شخصية ضدهم. حصل كل هذا في وقت ينصّ فيه الدستور الإماراتي على أنّ حرية التعبير مكفولة في «حدود القانون». هذه الحدود غير المكتوبة أو المعلنة، تمنع الكتابة وتحظر النشر خصوصاً في الشأن الإماراتي.
أما سلطنة عمان التي شهدت ثورة لم تستمر طويلاً، فقد شهد شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2011 تعديلات على «قانون المطبوعات والنشر العماني» تمنع نشر معلومات مسيئة إلى النظام وأمنه الداخلي والخارجي، من دون إذن السلطات، الأمر الذي رآه البعض تعديلاً فضفاضاً ينتهك حرية التعبير. تبع ذلك التعديل اعتقال المدون معاوية الرواحي، وإغلاق صحيفة «الزمن» لمدة شهر وسجن رئيس تحريرها إبراهيم المعمري، والصحافي يوسف الحاج لخمسة أشهر، بتهمة «إهانة كرامة وزير العدل!».
حملة الأنظمة الخليجية على الصحافيين والمدونين المستقلين ما زالت مستمرة، فيما الإعلام الجديد يمنح مساحة لأولئك المدونين الشباب المستعدين لفضح ما يحدث في بلدانهم النفطية من انتهاكات وفساد. ملوك العالم الافتراضي يستعدون لصنع واقعهم الجديد، بدلاً من الحلم به.