لم تتطور المجتمعات المتقدمة إلا عندما حقّقت المساواة بين الرجل والمرأة، بينما بقيت هذه المعادلة مستحيلة في دول العالم الثالث، التي تعاني نزاعات دائمة وعدم استقرار سياسي واقتصادي، وإرثاً ثقيلاً من الممارسات والمعتقدات والعادات التي جعلتها «الحلقة الأضعف». المرأة هنا ليست إلا أداة ذات أدوار محددة، تتحرك ضمن الإطار الذي يرسمه لها المجتمع الذكوري. ولعلّ هذه الإشكالية تزداد راهنيةً اليوم مع وصول الإسلاميين إلى الحكم، من مصر إلى تونس، و«صرعة» الفتاوى التي نقرأها كل يوم، والمخاوف الكثيرة التي تهدّد بخسارة المكتسبات (القليلة) التي انتزعتها المرأة العربية في بعض الدول، أولاها بلاد الطاهر الحداد.
من هذا المنطلق، يحاول «مسرح بابل» البيروتي تسليط الضوء على واقع المرأة العربية ضمن بيئتها، من خلال أعمال ترصد معاناتها وأحوالها، أكان تحت الاحتلال أم تحت ثقل الموروثات الثقافية والاجتماعية. للسنة الثانية على التوالي، يعود مهرجان «نساء في مجتمعات مهددة» إلى خشبة المسرح، الذي يديره المخرج العراقي جواد الأسدي، ليطرح هموم المرأة ويستطلع أحوالها من خلال مجموعة أنشطة فنية وثقافية، تراوح من الفوتوغرافيا إلى الأعمال المسرحية والموسيقية والسينمائية. تقول المديرة التنفيذية للمسرح، التشكيلية هيلين كرم: «كل سنة، نحاول أن نقيم المهرجان بهدف استضافة فعاليات متنوعة، تهدف إلى دعم حقوق المرأة في مجتمعاتنا، وإعطاء فرص للشباب لتقديم أفكارهم».
يُفتتح المهرجان مساء اليوم بمعرض المصوّرة البحرينية غادة خنجي (1967) المقيمة في بروكلين. الفنانة التي نالت جوائز عدة، تتميز بصورها التوثيقية التي تؤرّخ لمناظر وبورتريهات تعكس الإنسان ضمن بيئته، مركزةً بذلك على المرأة. وعند الثامنة والنصف، تقدم المخرجة والممثلة التونسية المعروفة زهيرة بن عمار نصّها المونودرامي «سنديانة»، الذي قُدِّم أخيراً في تونس في مناسبة يوم المرأة العالمي. العرض الذي كتبته وأخرجته ومثّلته بن عمّار، جال على عواصم عالمية عدة، عاكساً واقع المرأة التونسية من خلال أربع لوحات (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة). كذلك، ستقدم بن عمار محترفاً يحمل عنوان «إعداد الممثل» طوال يومين (13 و14/5). توضح كرم هنا: «ورشة عمل الممثلة التونسية تندرج في سياق تكريس سياسة خشبة «بابل» في بناء الممثل. المسرح ليس فقط لتقديم أعمال مسرحية، بل هو بيت أيضاً يحتضن الشباب ويفتح لهم منصات لطموحاتهم، بدءاً من الشكل الهندسي للمكان واستخدامه كحيّز وصولاً إلى سياسة البرامج».
يوما الثلاثاء والأربعاء (15 و 16/5 ــ س:8:30)، سيشهدان عرضين موسيقيين للمغنية مريم صالح بمبادرة من مؤسسة «إيقاع». الفنانة المصرية التي اشتهرت بإعادة تقديم روائع الشيخ إمام، ستطلق ألبومها الجديد «مش بغنّي» (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة). وفي خطوة لربط الأجيال المسرحية وتلاقيها وتفاعلها، يوجّه المهرجان تحية إلى الممثلة اللبنانية القديرة رينيه ديك (17و18و19/5 ــ راجع المقال أدناه) من خلال عرض نسخة فيديو من مسرحية «الخادمتان» التي أخرجها جواد الأسدي عام 1996، وشاركت فيها بدور السيدة إلى جانب رندا الأسمر وجوليا قصار. وستتاح للجيل الشاب فرصة لقاء الممثلة المخضرمة، التي عاصرت نهضة الخشبة اللبنانية في الستينيات من القرن المنصرم. ومن سوريا، تحلّ راقصة الباليه الدمشقية حور ملص لتقديم ورشتي عمل (20و21/ 5 ـــ س:4:00)، يليهما عرض راقص لهذه الفنانة (1985) التي حلّت على المهرجان العام الماضي أيضاً.




للأفلام الوثائقية حضور في المهرجان. يقدّم الفنان البصري الأميركي من أصل فلسطيني جون حلقة (22/5 ــ س:7:00) شريطه «جراح القلب: فنانة ووطنها» (2009 ـــ 52 دقيقة). يرصد العمل الوثائقي قصة رنا بشارة (1971). انطلاقاً من قريتها ترشيحا في الجليل المحتل، استعادت الفنانة البصرية ذاكرة المكان الواقع تحت احتلال لا ينفك يطمس هويته العربية، واستخدمت عناصر كالصبّار والرغيف، وبعض المفردات اليومية ضمن أعمال فنية تخبر قصتها وقضية شعبها الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي.
مهرجان «نساء في مجتمعات مهددة» يتسع أيضاً للأعمال الخيرية. تقدّم ابنة اللاذقية المغنية بادية حسن حفلتين (23و 24 ـــ س: 8:30) يعود ريعهما إلى دعم جمعيات مكافحة سرطان الثدي. وفي اليومين الأخيرين من المهرجان، ستقدم زينة دكّاش مشروعها الجديد الذي شاهدناه منذ أسابيع بعنوان «شهرزاد ببعبدا» (الأخبار، 26/4/2012) ولعبت بطولته 15 سجينة من نزيلات سجن بعبدا. ستعرض المخرجة اللبنانية مقتطفات مصوّرة من المسرحية ضمن المهرجان (25 و 26 ــ س: 8:30) تليها محاضرة حول مشروعها القائم على العلاج بالدراما، الذي بدأ مع مسرحية «12 لبناني غاضب» التي قدمتها قبل سنوات مع سجناء رومية، كما أن بعض السجينات اللواتي أخلي سبيلهن منذ بداية ورشة العمل حتى اكتمال المشروع، سيكنّ حاضرات خلال يومي العرض.
المهرجان يمثّل فرصة لـ «مسرح بابل» حتى يعلن أفكاره الجديدة، إذ خصّص فضاءات ضمن المسرح من مقهى ثقافي يجمع الشباب لتتحول لقاءاتهم إلى مشاريع قادمة إلى مُحترَف يحتضن مشاريعهم وتدريبهم، كذلك يجري تجهيز الغاليري التي كانت تعرض أعمالاً تشكيلية منذ افتتاح المسرح لتصبح مفتوحة لأي مشاريع قادمة. كل هذه الفضاءات التي تمثّل حضناً تتفاعل فيه الأفكار والمقترحات، ستشكّل لاحقاً أعمالاً فنية تحتضنها خشبة المسرح.



«نساء في مجتمعات مهددة»: الافتتاح 6:30 مساء اليوم بمعرض الفنانة البحرينية غادة خنجي حتى 26 أيار (مايو) ــــ «مسرح بابل» (الحمرا ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/744034