نيكولاس بلانفورد ما زال يبحث عن سلاح حزب الله. وقد نشرت صحيفة «ذي دايلي ستار» اللبنانيّة، على الصفحة الأولى من عددها أول من أمس، مقالاً للصحافي البريطاني مفاده أن «حزب الله يبني قواعد جديدة حسب رصد الأقمار الصناعيّة». بعد قراءة العنوان العريض للمقال، يخيّل للقارئ أنّه أمام «سبق صحافي» يكشف معلومات جديدة وخطيرة عن الحزب وتحركاته الأخيرة. لكنّ تدقيقاً بسيطاً في التفاصيل يبيّن الشبه الكبير مع مقالات تنشرها الصحف الغربية التي تقوم بإبراز أي خبر عن حزب الله، لأن مجرّد ذكره يحقق الإقبال ويرفع المبيع.
مقال «ذي دايلي ستار» الذي كتب من بيروت، لا يقدّم أي معلومة جديدة، موثقة، عن الحزب، لتضيع فيه الحدود الفاصلة بين الخبر الصحافي والخيال العلمي. أين استقى الكاتب معلوماته المؤكّدة بأن «حزب الله يبني قواعد جديدة»؟ من صورة على موقع «غوغل إيرث» Google Earth تعود لـ ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١. أخضعها لقراءة «محللين» وأقرنها بمعلومات من «مسؤولي أجهزة استخبارات أوروبيّة»، ما يذكّر بأسلوب بعض مواقع الدسّ الاستخباري العربيّة التي يضجّ بها العالم الافتراضي...
الصورة التي لا توحي للناظر بأي شيء غير اعتيادي، تكشف الكثير، حسب معلومات نيكولاس بلانفورد، وتشير الى وجود «عدد من المباني، وجسم غير معرّف، وشرائط على شكل سهم، ما يعتقد أنه النطاق المخصص لإطلاق النار، وشاحنة SUV بيضاء مركونة عند المدخل». أما «الخبراء والمحللون والمسؤولون الاستخباريّون»، فأكّدوا لبلانفورد، أن ما يجري في الصورة هو «تحركات مشبوهة في ما يعتقد أنه مخيم تدريب عسكري لحزب الله» في منطقة جنتا في البقاع. ويضيف الكاتب إن «المحللين الاستخباريين الغربيين رصدوا تلك التحركات المفاجئة منذ عام ٢٠٠٨». هنا ينتهي السبق الصحافي.
لكن بلانفورد، صاحب كتاب «مقاتلو الله» (٢٠١١) الذي يحاول رصد مخابئ حزب الله المستخدمة في حرب تموز ٢٠٠٦، استفاض في معلوماته المراكمة، ليشير الى أن هناك صوراً كثيرة أخرى تبيّن نشاطات للحزب في منطقة جزين الجنوبية «التي يعلم بها الجميع»، كما يبدي «دهشته من علنيتها». وبعد التذكير بسعي حزب الله المستمر لبناء المخابئ منذ انتهاء حرب ٢٠٠٦، يشير الكاتب الذي وصف نفسه مرة بـ«شبه المهووس بالتفتيش عن مخابئ حزب الله»، الى أن «التحركات قد تكون لبناء مشاريع صناعية أو هي إحدى خدع الحزب لتحويل الانتباه عن أمكنة نشاطاته الفعلية». هكذا، بكل ثقة ودقّة، يختتم بلانفورد مقاله بأن «الحقيقة ستبقى مخفيّة لحين وقوع الحرب التالية مع إسرائيل». تلك هي المعلومة الوحيدة الأكيدة في مقاله. «سبق صحافي» آخر بتوقيع بلانفورد، يتقاطع على نحو مثير مع ما تسعى المصادر الاستخبارية الغربية إلى تسويقه... يبقى للقارئ أن يبحث عن الفرق بين الخبر والإخبار.