القدس | تظن المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية أنّ «الكتاب المتفرنسين» ـــ إذا استعرنا التسمية الدارجة في الجزائر ـــ هم الخاصرة الرخوة للكتّاب العرب. منذ «أوسلو» وهي تصطاد الأضعف منهم بمساعدة فرنسية رسمية أحياناً. هذا العام، اصطادوا الجزائري بوعلام صنصال (1949)، أو بالأحرى استجابوا لمغازلاته الخرقاء لهم منذ زمن طويل. صاحب التهويمات العنصرية عن أوجه الشبه البنيوي بين النازية والإسلام أو «النظريات» الهوليوودية عن نازيين سابقين اختبأوا في البلدان العربية، لا عجب أن يواصل هذا العداء الأخرق للحضارة العربية وخدمة السردية الصهيونية عبر الحلول «ضيف شرف» على «مهرجان الكتّاب الدولي» الذي يفتتح غداً الأحد في القدس المحتلة (حتى 18 من الشهر الجاري) ضمن الأجواء الصهيونية الاحتفالية (عشية الذكرى الـ 64 لاحتلال فلسطين) بـ«إعلان تأسيس إسرائيل»!
وإن كانت المزاعم اليسارية تستعمل أحياناً كذرائع لدى بعضهم لتبرير علاقات ثقافية مع جهات إسرائيلية، فإنّ «مهرجان الكتّاب الدولي» (يقام كل سنتين وأغلب مشاركيه من الإسرائيليين) ليس له مزاعم من هذا النوع. شمعون بيريز افتتحه عام 2008 وتدعمه «وزارة الخارجية الإسرائيلية» ومؤسسات أقصى اليمين الصهيوني. ويكاد يكون مهرجاناً دعائياً يقام في ذكرى «استقلال الدولة» كجزء من البروباغندا الضخمة واحتفالات اللصوص التي تقيمها دولة الاحتلال كل سنّة في ذكرى النكبة.
ورغم الدعوات التي وجهت لصنصال، وخصوصاً «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل» PACBI، إلا أنّ صاحب «قسم البرابرة» أخذته العزة بالإثم، وقرر أن لا شيء سيفسد عليه فرحة اللقاء مع الصهيونية في عقر الدار التي تحتلها.
ومن الطرائف ما أعلنه منظمو «المهرجان» أنّ عربّياً آخر سيشارك في ندوة مع صنصال، لكنّ هويته ستبقى سرية حفاظاً على سلامته عند العودة إلى بلاده. وبحسب «هآرتس» (أخبث الجرائد الصهيونية)، فإنّ المهرجان طلب هذا العام من مشاركيه تقديم أوراقهم التي سيلقونها مسبقاً إلى إدارته، كإجراء احترازي من توجيههم أي انتقادات كما فعل أحد الكتّاب الإسرائيليىن في دورة سابقة. وبالطبع، الاستشراق لا يغيب عن مناسبة مماثلة، فنجد ندوات من قبيل «التقاربات والتصدعات بين الشرق والغرب». والأخيرة يشارك فيها صنصال مع المستعرب الألماني شتيفاين فايدنر محرر مجلة «فكر وفن» التي يصدرها معهد «غوته».
بالإضافة إلى مشاركة صنصال في المهرجان، تنظّم السفارة الفرنسية في تل أبيب لقاءً معه «في مناسبة زيارته الأولى لإسرائيل» في مقر «المؤسسة الفرنسية لدى إسرائيل» في تل أبيب في 15 أيار. في معظم الأحيان، تصطاد المهرجانات الإسرائيلية كتّاباً قليلي الشأن أو «نجوماً» يسبقهم صيت انتهازيتهم من نوعية الطاهر بن جلون (يتباهى أمام الفرنسيين بزياراته لإسرائيل وصداقته لبعض كتّابها). ولا يغيب عن بالنا أنّ القسم الأهم من الكتّاب العرب بالفرنسية لا تنطلي عليهم هذه المحاولات، بل إن بعضهم استعمل الوسيلة الفرنسية ـــ أكانت لغة أم مؤسسات ـــ لتمتين علاقتهم بالقضية الفلسطينية واتخاذ موقف إلى جانب عدالتها وعدالة القضايا العربية. وفي حالات أخرى، تعتمد الجهات الإسرائيلية على التضليل في اصطياد كتّاب مغسولي الدماغ أو أنّ وعيهم بالقضية الفلسطينية «وعي» غربي رسمي ومتواطئ سلفاً مع «إسرائيل».
الكليشيهات المستهلكة عن الحوار والسلام لم تعد تنطلي حتى على الأغبياء وأصبحت اللعبة مكشوفة: ثمة نظام استعماري فاشي يريد تنظيف يديه من دم ضحاياه باستعمال الفنون والأدب. والكتّاب المستجلبون الى فعاليات مماثلة هم مجرد خرق لتنظيف يدي هذا الاستعمار وكسر المقاطعة الدولية في المجال الثقافي التي باتت تشتد حوله. وكثيراً ما يلجأ هؤلاء الكتّاب/ الخرق إلى البحث عن كتاب فلسطينيين (قلّما يهم مستواهم) يلتقون بهم لتنظيف ضمائرهم وصنع توازن وهمي. هذا ما يبدو أنّه يجري هذا العام حيث طلب بعض الكتاب الأجانب المشاركين في المهرجان «ترتيب لقاءات بينهم وبين كتّاب فلسطينيين «محليين» في رام الله، وجولات في القدس «الشرقية» لرؤية الفلسطينيين»، ما دفع «الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين» إلى إصدار بيان يدعو إلى مقاطعتهم، مضيفاً: «هذه النزعة الاستشراقية في التعرُّف إلى «المحليين» كموضوعات استعمارية للفُرجة، وعبر وسطاء مستعمِرين، ينبغي أن تواجَه بالإدانة والمقاطعة الصارمة، إذ كان على هؤلاء الاختيار بين الوقوف مع الاحتلال أو مع الحرية، إذ لا توسُّط بينهما».
لا يبدو واضحاً في أي خانة يمكن إدراج صنصال الذي يمشي بين السذاجة المتحذلقة والانتهازية الغبية. الكاتب الشغوف بمهاجمة الأصولية الإسلامية لا يميل إلى مهاجمة الأصوليات الأخرى المسيحية واليهودية، بل يقبل احتفاءها به. وها هو يزور كياناً استعمارياً فاشياً ينشط في مقاطعته اليوم أنبل مثقفي الغرب، وبينهم مثقفون يهود مقاومون للصهيونية، فضلاً عن الإجماع الجزائري والعربي على المسألة.
الكتّاب الجزائريون وصفوا مشاركة صنصال في مهرجان إسرائيلي بـ«فضيحة بكل المقاييس». ونحن نضيف إنّ هناك فضائح تنطوي على جرأة ما أو وجهة نظر أو مغامرة إنسانية. أما فضيحة صنصال فتبدو مكررة ومبتذلة ومحزنة. «مسيو صنصال»، هنيئاً لك الساعات الحميمة في كنف الاحتلال، هنيئاً لك «الحرية» التي كنت تبحث عنها!




بيانات


أصدرت «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل»، والأمانة العامة في «الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين»، بيانين منفصلين، أدانتا فيهما مشاركة الروائي الجزائري في «مهرجان الكتّاب الدولي» في القدس.
في رسالتها إلى صنصال، اعتبرت الحملة أن مشاركة صاحب «حراقة» في المهرجان «تواطؤ مع جرائم الاحتلال وتطبيع لا لبْس فيه»، داعيةً إياه إلى الانسحاب «كي لا تمنح حريتك لمن يحرمنا حريتنا». وذكّرت صنصال بالرسالة التي كتبها لمحمّد البوعزيزي، حيث وعده بأن «ما تبقّى هو من مسؤوليتنا» بعدما أشعل البوعزيزي «الشرارة الأولى، وأتمّ مهمّته». وقالت الحملة إن «مشاركتك في هذا المهرجان لن تحقق أياً من وعودك لبوعزيزي، بل على العكس، ستكون قد وجهّت صفعةً لكل فلسطيني يناضل من أجل الحريّة والسلام العادل والحق في تقرير مصيرنا على أرضنا». وذكّرته «إن كنت محايداً في حالات الظلم، فقد اخترت جانب المضطهِدين [بكسر الهاء]». من جهته، جاء في بيان «الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين» أنّ «عقد المهرجان في قلب مدينة القدس الجريحة التي تتم صهينتها يوماً بعد يوم في أشرس حملة لعزلها عن جسدها الفلسطيني (...) يرسل إشارة واضحة الى أنّ «المؤسسة الثقافية الإسرائيلية» جزء لا يتجزأ من «المؤسسة الاستعمارية الصهيونية»، ووصف المشاركين في المهرجان بأنّهم «نالوا العار».

بيان الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين

بيان الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل