«لن أشتم العلمانية، ولا أهل العلمانية». بهذه الجملة، افتتح الشيخ شفيق جرادي حديثه في لقاء حواري أقامه «النادي الثقافي الجنوبي» بالاشتراك مع «الأخبار» في الجامعة الأميركيّة في بيروت، تحت عنوان «السلطة والدولة: هواجس الدين والعلمنة». خلال اللقاء، شدد الشيخ جرادي، الذي يدير «معهد المعارف الحكمية»، على ضرورة «استبعاد كل أشكال التزمّت والتعصّب عند مقاربة موضوعات حسّاسة تعني الجميع مهما اختلفت انتماءاتهم». وقال إنه «من السطحية عند كثير من العلمانيين ظنّهم أنّه على الإنسان أن يعيش من دون دين.
وكذلك عند الإسلاميين الذين يقولون بإمكان إدارة شؤون الحياة من دون فُسَح من العلمنة، وخصوصاً في ما يلتقون به مع الآخر».
وتحدث جرادي عن علاقة العلمانية والدين بالسُّلطة، قائلاً إنّ السلطة تساوي التمكن. ومن كان لديه نفوذ ومشروع، يجب أن يسمح له المجتمع بممارسة هذا النفوذ. فالسلطة ضرورة لإنشاء كيان مدبِّر اسمه الدولة، والعلاقة بينهما تتجلى في اتخاذ السلطة الدولة مرجعية لها، لتمارس إدارتها للمجتمع والسياسة. وأضاف إنّ ثمة سلطتين دينية وعلمانية تحكمان العالم الإسلامي اليوم، وهما «الإسلام الإيراني الشيعي»، و«الإسلام التركي العلماني».
وتطرق جرادي إلى مصطلح «العلمانية»، قائلاً إنّ مشكلة التعريفات في العالم العربي والإسلامي منشأها التأثر بفلسفة أرسطو الذي يفسّر كل شيء على أنه كتلة واحدة. وأشار إلى أن هناك طريقة أخرى لتعريف الأمور عن طريق «الخصائص». وبناءً على هذا، فإن العلمانية «اتجاه سماوي، أرضي، اقتصادي، ومسار يخلق الدوافع المولّدة للأفكار المتوجهة للإنسان أو الطبيعية أو الحرب...». ولخّص الشيخ جرادي الخلاف بين العلمانية والدين بثلاثة أسباب. أولها أن «المسلمين يعيشون العلمانية كعقدة تاريخية، بسبب الاستعمار الغربي الذي مزق الدولة التقليدية الإسلامية تحت شعار «علمنة الدولة»». أما السبب الثاني، فهو «تجربة علمانية الصدام والمواجهة التي قد تصل حدّ الإلغاء (كما حدث مع أتاتورك). ويعتقد جرادي أن السبب الثالث للخلاف هو «نبذ عدد من المثقفين «الجامعة الإسلامية» في عصر النهضة، وإيجادهم بديلاً لها، هو «الجامعة العربية»، ما حقّق هدف الاستعمار (جهلاً أو عمداً) في تحجيمنا وتقسيمنا». كل هذه الخلافات لم تمنع الشيخ جرادي من إيجاد مستوى يمكن أن تلتقي عنده العلمانية والدين. مع القول الإسلامي المأثور «الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله»، يُمكن دعاة العلمنة والدين أن يتّفقوا على ما يعنيهم جميعاً كمواطنين وكأفراد يعيشون في مجتمع واحد، وخصوصاً أنّ كلّاً من العلمانيّة والدين يشدّد على مركزيّة الإنسان وقيمته.