على خشبة «مسرح إروين»، تقدم «الجامعة اللبنانية الأميركية» (قريطم ــ بيروت) عرض «نوم الغزلان» (الغزال ينام بعين نصف مغمضة، وتلك هي حال السوريين اليوم بحسب الكتيّب التعريفي بالعرض) الذي أعدّته وأخرجته لينا أبيض ويؤديه 22 ممثلاً وممثلة، معظمهم من الطلاب. يستند نص العرض إلى توليفة نصوص للكاتبين السوريين فرج بيرقدار وياسين الحاج صالح ولنساء ورجال شردوا على حدود الأرض وخاضوا تجربة ما يُعرف بالـ«هجرة غير الشرعية» عبر البحر خلال السنوات الخمس للحرب السورية.
عملت لينا أبيض في نصها على نقل وقائع وشهادات حقيقية وصور علقت في الذاكرة الجماعية للمأساة السورية كصورة النساء والرجال الذين وضعوا في أقفاص في هنغاريا وغيرها. هنا، لم تنس أبيض أن تشمل الخطاب شبه الموحد لصانعي القرار في العالم عبر شخصية رجل يرتدي بذلة رسمية (رامي سعيدي) ويتحدث بالإنكليزية طوال الوقت، وينقل أحياناً خطاب رئيس هنغاريا لينتقل إلى موقف رسمي آخر بعد حين.
لم تكتف بتحميل السينوغرافيا بعداً جمالياً فقط، بل أضفت عليها بعداً دلالياً

في «نوم الغزلان»، تمت الإضاءة على نمطين أساسيين من الاتجار بالبشر: «التهريب عبر الزوارق غير المطاطية» و«بيع الزوجات» عبر «خطابة». طاول خيط المعاناة والحكايا والقصص تلك الفتاة (كارلا صعب) التي وجدت نفسها هي وحبيبها بسام ونساء آخريات وأولادهن بلا زورق يسبحون لأكثر من ثلاثة أيام. في اليوم الأول، كانت كلما تعبت، يشجّعها بسام. تتوالى الساعات، ويستسلم من يستسلم من النساء. يستسلم بسام، وتجد نفسها مسؤولة عن حياة ثلاثة أطفال. المرأة التي أخذت دروساً في السباحة في سوريا، كانت قد تعلمت حيلاً وتدابير استباقية لمواجهة حالات الغرق. نماذج مختلفة من السوريين تطالعنا في المسرحية: الشاب الفلسطيني السوري الذي أحب جيسيكا الأميركية، والمهرب (عمر بقبوق)، والمشاهد الكوميدية للخطابة (دارين شمس الدين). وبالعودة إلى النصوص الأدبية التي استند إليها العرض، فقد ركزت أبيض على تفاصيل سجن فرج بيرقدار وعلاقته بابنته التي نشرها في كتاب «خيانات اللغة والصمت ــ تغريبتي في سجون المخابرات السورية» (دار الجديد ــ 2011). كما نقلت رسائل ياسين الحاج صالح إلى زوجته سميرة الخليل، التي اختطفتها فصائل مسلحة مع المحامية والناشطة السورية رزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي في عام ٢٠١٣. لعبت لينا أبيض ـــ لمدة ساعة ونصف ساعة تقريباً ـــ على توليفة مشاهد غير مترابطة. صاغت الزمن الدرامي للعرض بشكل عكسي، بحيث يرى المشاهد نهاية بعض الشخصيات في بداية العرض، ويعود تدريجاً إلى البداية، إلى حلم الهجرة حين يكون العرض قد أوشك على نهايته أو إلى تاريخ اختطاف سميرة الخليل... بدا واضحاً في العرض، الجهد الكبير الذي أولته لينا أبيض، تساعدها المجموعة في البحث وفي إعداد النص، وظهرت قوة العمل من الناحية الإخراجية، بحيث يشعر المشاهد بأن المشهدية بنيت على لوحات فنية أخاذة مع سينوغرافيا متقنة بكل فيها من ديكور وأكسسوارات وإضاءة واستخدام للفضاء. لم تكتف أبيض بتحميل السينوغرافيا بعداً جمالياً فقط، بل أضفت عليها بعداً دلالياً.
من ناحية أخرى، كانت هناك ثغرة كبيرة في الأداء بشكل عام. باستثناء الأداء الجيد لكل من عمر بقبوق ودارين شمس الدين وكارلا صعب، لم يتم العمل على التفاصيل الصغيرة التي تحدث فرقاً في التلقي، وهذا مرتبط بعدم إتقان معظم المؤدين مهارات تقنية كالتحرك في الفضاء، والحد الأدنى من الإحساس بإيقاع المشاهد أو المشهدية، والدوافع الداخلية التي دفعتهم للقيام بهذا الفعل المسرحي أو ذاك. ربما تكمن المشكلة في طرح هذا العمل وتقديمه بأكمله في إطار طلابي من الأساس، إذ حُمِّل الطلاب، الذين شكلوا معظم طاقم الممثلين، عبئاً يفوق قدراتهم، وبخاصة أنّ مدة العمل طويلة نسبياً. لقد ظُلِم الطلاب أكاديمياً وظُلِم العرض فنياً. هنا، من المفيد طرح التساؤلات الآتية: كيف أنقل كممثل أو كمؤدٍّ معاناة فرد أو قضية آنية لم ينضب جرحها بعد، تخضع للتفاقم كل يوم، وتعتبر من أكثر المآسي تراجيديةً لتاريخنا المعاصر؟ كيف أبكي أو أحزن أو أفرح كممثل وأكون قابلاً للتصديق إن كانت دموع الشخصية الحقيقية التي أؤديها ما زالت تنهمر ولربما تكون حاضرةً بين الجمهور؟ وبالتالي، مهما فعلت كمؤدٍّ أو كممثل، لن أضاهيها في افتعال بكائي كممثل. وهل من الضروري أساساً أن أتبع النمط التمثيلي الذي يحتم أن أكون قابلاً للتصديق، أم أن الطابع الأخلاقي للمعاناة السورية يدعوني إلى إعطاء الأولوية لنقل الأحداث بشكل توثيقي، وهذا كافٍ لأن الحدث بتفاصيله السردية درامي بحد ذاته، ولا يحتاج إلى إضافات تمثيلية؟ كلها أسئلة ونقاشات جديرة بالخوض...

«نوم الغزلان» للينا أبيض: 20:30 مساء، حتى 10 نيسان (أبريل) الحالي ــ «مسرح إروين» في حرم «الجامعة اللبنانية الأميركية» (قريطم ـــ بيروت). للاستعلام: 01/786464