فيما انتشرت شائعة رحيل غابرييل غارسيا ماركيز على الإنترنت أخيراً، باغت الموت صديقه كارلوس فوينتس، أول من أمس. الدبلوماسي والروائي المكسيكي الكبير (1928ـــ 2012) نُقل إلى أحد مستشفيات العاصمة المكسيكية الثلاثاء، بعدما أصيب بنزف في الجهاز الهضمي.
لم ينصت الموت إذاً إلى رغبات صاحب «الحملة» الذي قال في حوارٍ أخير معه «بين كتبي وزوجتي وأصدقائي ومن أحبهم، لديّ أسباب كثيرة لأظل على قيد الحياة». كان الكاتب المعروف بمواقفه اليسارية، قد أنهى للتو رواية «فدريكو في الشرفة»، على أن يبدأ أخرى بعنوان «رقص المئوية». لكن الموت لم يمهله لإكمال مشاريعه الغزيرة، هو الذي لم يتوقف عن الكتابة منذ نصف قرن. ورغم أنه أحد الأعمدة الثلاثة في أدب أميركا اللاتينية، إلى جانب بورخيس وماركيز، إلا أنه لم يحظ بالشهرة نفسها لقرّاء العربية. على الأرجح بسبب أسلوبه المعقّد وكثافة جملته السردية التي مزجت بين القوالب الكلاسيكية وجماليات الشعر. روايته «موت أرتيميو كروز» كانت عتبته الأولى إلى لغة الضاد (1984)، ثم تلتها «الغريغو العجوز»، و«الحملة»، وأخيراً «آورا» التي ستصدر عن «دار كاف» (عمّان) بتوقيع المترجم صالح علماني. فيما تنتظر أعماله الأخرى أن ترى النور مثل «نشيد العميان» (1964)، و«منطقة مقدسة» (1967)، و«منزل ببابين»، و«عائلة نائية» (1980). ترحاله بين جغرافيات متعددة، أضفى خصوصية على أدبه، لكنه لم يحد يوماً عن ثراء تركة معلمه سرفانتس، هو يعتبر الـ«دون كيخوتة» كتابه المقدّس. «هذا النبع المتدفق الذي لا ينضب أبداً، هو صاحب المسيرة الحقيقية للرواية،». ويضيف: «أقرأ «دون كيشوت» كل سنة. وفي كل مرة، هي قراءة مختلفة بالنسبة إليّ».
هكذا أرسى أسلوبيته الخاصة في رواية أميركا اللاتينية، من دون أن يمتطي حصان الواقعية السحرية تماماً، إذ ظلّت روايته تحفر في الجذور، أكثر من تطلّعها إلى الموجة، أو الموضة، في فسيفساء سريالية تختزل مرايا القارة اللاتينية وتاريخها المضطرب. لعل هذا ما قاده في روايته الأخيرة «فدريكو في الشرفة» إلى محاورة نيتشه، على غرار ما فعله في روايته «موت أرتيميو كروز»، إذ يدير حوار مرايا عن حياة عجوز محتضر يسعى إلى ترميم حياته في اللحظات الأخيرة قبل موته. غاب كارلوس فوينتس، من دون أن يحصد جائزة «نوبل» التي رُشح لها مراراً، لكن رصيده لا يخلو من جوائز رفيعة، على رأسها «جائزة سرفانتس» (1987). كارلوس فوينتس كما كتبت «لو فيغارو» أمس، كان دون كيشوت ضد هاملت. الثاني يعتقد أنّ الأدب كلمات لا معنى لها، فيما آمن الثاني بأنّها تستطيع تغيير العالم!