«اشتركنا بالموتور، صارت الكهربا تلعّبنا بقّوسة، اشتركنا بالدش طقّ شرش الحيا، بشو معقول يشترك الواحد تيربح؟» بلهجته البيروتية يسأل عادل كرم قبل أن يأتيه الحلّ بالاشتراك في جريدة «البلد»، حصانه الرابح الذي يمنحه فرصة ربح سيارة موديل 2011. إعلان من بين إعلانات كثيرة شاهدناها وسمعناها مراراً وأدى بطولتها الممثل الظريف لصالح الجريدة اللبنانية.
لكن يبدو أنّ «البلد» التي أرسلت موظفيها المصروفين من دون تعويض (راجع الكادر)، تواجه اليوم مرحلة مصيرية في مشوارها القصير. أول من أمس، عقد عماد كريدية مدير عمليات AWI التابعة لـ «مجموعة الوسيط الدولية» اجتماعات منفصلة بطاقم جريدة «البلد»، ومجلتي «ليالينا»، و«غالا» التابعتين للمجموعة. سبب الاجتماع أنّ العاملين في المجلتين أضربوا عن العمل منذ يوم الاثنين، بعدما قبضوا نصف شهر آذار (مارس) فقط، فيما لم يقبض موظفو «البلد» معاشاتهم منذ ذلك الشهر.
حلَّت الأزمة مع المجلتين، وفكّ العاملون إضرابهم أمس بعدما تعهّد كريدية تسديد ما تبقى من شهر آذار، على أن يُقبض قسم من المعاشات المتأخرة كل 15 يوماً، واعداً بأنّ أيلول (سبتمبر) سيكون موعد انفراج الأزمة المالية التي تشهدها المجموعة. وإذا كانت أزمتهم قد حلَّت مبدئياً، فإنّ جريدة «البلد» تواجه خطر الإقفال النهائي في 15 حزيران (يونيو) المقبل. يقول أحد الموظفين في الجريدة لـ «الأخبار» إنّ كريدية تحدّث خلال الاجتماع عن الأزمة المالية الكبيرة التي تواجهها الصحيفة، واضعاً 15 حزيران (يونيو) موعداً مصيرياً إما بالمواصلة أو الإقفال النهائي. وخلال الاجتماع، عزا كريدية الأزمة المالية التي تشهدها المجموعة وأدّت إلى صرف حوالى 48 موظفاً حتى الآن، إلى جملة عوامل، أوّلها متأخرات للمطابع، وغلاء إيجار المجموعة في منطقة الصالومي (مبنى Freeway)، ومتأخرات لـ «استديو فيزيون» (حوالى 600 ألف دولار) حيث كان يبث تلفزيون «الوسيط»، الذي أقفل لاحقاً. أما الحلول، فقد ارتأى كريدية خفض عدد صفحات الجريدة، وتوقيف توزيع أعدادها في بعض المناطق اللبنانية النائية، أو حيث تقل نسبة المشتركين، وانتقال مبنى المجموعة إلى منطقة السبتية. هذه الحلول اتخذها المسؤولون كي لا يُطرد موظفون إضافيون بحسب كريدية. وحين واجهه الموظفون في الجريدة بأنّها أكثر الصحف امتلاءً بالإعلانات، لم يجد كريدية أي جواب، عازياً العجز إلى العوامل التي ذكرها سابقاً. وبعدما حاولت «الأخبار» من دون جدوى الاتصال بعماد كريدية، قال مصدر من مجموعة AWI لـ «الأخبار» إنّه لا نية إطلاقاً لإقفال الجريدة، مضيفاً «إذا كان عماد كريدية قد قال ذلك في الاجتماع، فهذا يعني أنّها محاولة لدفع الموظفين إلى الاستقالة بهدف التخفيف من الأعباء».
لكنّ أحد العاملين في الجريدة يؤكد لـ «الأخبار» أنّ الصحيفة ستقفل، وخصوصاً بعد الأزمات المتتالية التي تمرّ بها، والتردي الحاصل في محتواها. وحين نسأله عما إذا كان ما يحصل في سوريا على علاقة بهذه الأزمات المالية، بما أنّ مالكي «مجموعة الوسيط الدولية» هما بشار كيوان ومجد بهجت سليمان، ينفي ذلك، مشيراً إلى أنّ نشاط المجموعة الرئيسي يتمركز في الكويت ودبي والخليج، الذي يمثّل سوقاً واسعاً لمجلاتها، فيما يعدّ لبنان بمثابة المطبخ التحريري لكلّ المطبوعات التي تصدرها. إذاً، وحدها «البلد» حتى الآن تواجه خطر الإقفال النهائي، بعد أشهر على إقفال النسخة الفرنسية من الجريدة، وأسابيع على طرد مجموعة من الموظفين.
لكنّ حديث الموظف عن المحتوى يعيدنا إلى بدايات «البلد». حين انطلقت المؤسسة عام 2004، مثّلت خطراً استشعرته باقي الصحف في الساحة الإعلامية اللبنانية. صحيفة تابلويد شابة وعصرية وحديثة، مدعّمة بـ «ترسانة» إعلانية هي «الوسيط»، أدخلت الصحافة في خدمة «الماركيتينغ»، زرعت كتّابها وصحافييها نجوماً على اللوحات الطرقية في لبنان، وملأت الشاشات التلفزيونية بإعلانات الاشتراك الظريفة واللماحة. كان ذلك جديداً بالنسبة إلينا بكل ما فيه من سلبيات (الصحافة الخفيفة والسطحية إلى حد ما) وإيجابيات. في 2005بدأت رحلة عصر النفقات، فذهب الصحافيون والكتّاب ذوو المعاشات العالية، ودخلت الصحيفة في مرحلة الموت البطيء وصولاً إلى ما صارت عليه اليوم، من مجرد منشور سريع يمتلئ بأخبار الوكالات والـ copy paste كما يقول أحد العاملين فيها، الذي يعزو كل مشاكلها إلى سوء الإدارة والهدر. هل تمثّل الإسعافات الأولية التي ستعتمدها الجريدة مخرجاً لأزمتها المالية؟ وهل سيكون 15 حزيران بداية جديدة لـ «البلد» أم نهاية تجربة إعلامية قصيرة؟



اعتصام وإنذار

يقيم قسم من الموظفين المطرودين من مجموعة AWI (من جريدة «البلد» ومجلة «ليالينا» وجريدة «الوسيط» وشركة «أنتيغرا») اعتصاماً في الحادية عشرة من صباح اليوم أمام مبنى «الوسيط» في منطقة الصالومي. يأتي ذلك بعدما وصلت مفاوضاتهم إلى طريق مسدود، ورفضت المجموعة تلبية مطالبهم وشروطهم بخصوص صرفهم تعسفياً. وكان محاميا الموظفين جورج وميشال خديج قد أرسلا إنذاراً منذ يومين إلى «البلد» وشركة «انتيغرا للتسويق» و«ليالينا» و«الوسيط» بعد تلكؤ المؤسسات عن تسديد مستحقاتها تجاه المصروفين.