الجزائر | كانت الساعة تشير إلى تمام الثامنة إلا ربع مساء بالتوقيت المحلي في الجزائر، حين نقلت قناتا «الشروق» و»النهار» عبر شريط الأخبار العاجل خبر وفاة وردة الجزائرية بسكتة قلبية. هذا قبل أن يبث التلفزيون الرسمي في نشرته الرئيسية الخبر المفجع، مشيراً إلى قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بنقل جثمان الفنانة الكبيرة كي تدفن في «مربع الشهداء» في «مقبرة العالية» في الجزائر العاصمة يوم السبت.
رحلت وردة من دون أن تروي كل تفاصيل حكايتها مع الزمان، رحلت تاركةً وراءها عشّاقاً بالملايين، «تونّسوا بها» وبأغنياتها.
صاحبة الروائع الفنية توقّف قلبها فجأة عن الخفقان، هي التي غنت لكل القلوب، وكانت وسط جمهورها وأبناء بلدها في الجزائر قبل شهر ونصف الشهر. يومها، فاجأت الجميع بظهورها في منطقة «شرشال» السياحية لتصوّر أغنية وطنية بعنوان «ما زال واقفين» في الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر. لكنّ القدر لم يمهل الفنانة الكبيرة حتى تقدّم الأغنية في الاحتفالات الرسمية بتلك الذكرى، هي التي كانت تستعد لأداء الأغنية بهذه المناسبة، وقد تواترت أنباء عن اتصالها بعدد من الشعراء والملحنين لتجهيز أغنية وطنية إضافية.
لا يمكن لوردة أن تنسى ذكرى الاستقلال بعدما شكّل محطة مفصلية في حياتها الشخصية. إذ أنّ الذكرى العاشرة للاستقلال كانت سبباً في رجوعها إلى الساحة الفنية بقوة، وبنائها مجداً كبيراً لا يهتز. كان ذلك عام 1972، حين طلب الرئيس الراحل هواري بومدين من زوجها ووالد ابنيها رياض ووداد أن يدعها تغني مجدداً، فكان ثمن ذلك الطلاق، والعودة إلى القاهرة مجدداً، ومعانقة أم الدنيا، والزواج بالموسيقار بليغ حمدي الذي أسهم في جعلها مطربة من الصف الأول.
الجزائريون شعروا مساء أمس بالحزن الكبير، هم الذين فقدوا قبل أربعين يوماً رمزاً وطنياً كبيراً، اسمه أحمد بن بلة، وها هم اليوم يذرفون الدمع على رحيل وردة. وبين بن بلة ووردة، مسافة قصيرة تختصر تاريخ الجزائر المستقلة.
وكانت وردة قد نفت على لسان ابنها رياض شائعة وفاتها قبل عشرة أيام من وقوع الفاجعة، يوم نقلت عنها مواقع إعلامية القول بأنّها لا تعرف سبب إطلاق هذه الشائعات، ناهيك بالإعراب عن استغرابها من دعوات «التوبة» التي يطلقها بعضهم حولها هنا وهناك. يومها، ردّت بأنها ستغني حتى الرمق الأخير، وهو ما كان فعلاً. إذ أدت أغنية «ما زال واقفين» في خمسينية استقلال الجزائر، ناهيك عن تقديمها دويتو مع الفنان الكبير عبادي الجوهر، ومنافستها لفنانات الجيل الحالي حين احتلت بأغنيتها «اللي ضاع من عمري» المراتب الأولى في سباق الأغنيات. علماً أنّ الأغنية صدرت ضمن ألبومها الأخير الذي حمل عنوان الأغنية وأصدرته شركة «روتانا» في الصيف الماضي.
رحلت وردة وقد ودعت بيروت قبل الجزائريين، بعدما قدّمت هناك حفلة تاريخية في أيلول (سبتمبر) الماضي، كأنها مرّت على بيروت التي تحمل نصفها الثاني مودعةً (والدتها لبنانية)، مثلما ماتت في القاهرة التي رسمت فيها مجداً لا يموت، وعانقت قلوب كل الجزائريين قبل فترة، حين غنّت كأنها توصيهم قبل الرحيل الأخير... «ما زال واقفين».