قبل التطوّرات الدراماتيكية التي شهدها الملف خلال اليومين الماضيين، كان خبر التوصّل الى اتفاق بشأن إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في حلب الجمعة الماضي، قد أثلج قلوب اللبنانيين بمختلف أطيافهم، سياسيين، وإعلاميين، ومواطنين. المشهد الذي رأيناه أثناء التغطية الإعلامية لهذا الحدث كان لافتاً، لم نعتده منذ زمن. ولأنّ الحدث شاء أن «تصنعه» في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد دخلت القنوات اللبنانية، على رأسها «المستقبل» إلى «معقل» حزب الله كما تسمّيها المحطة التي «قاطعت» هذه البقعة من العاصمة منذ 7 أيار (مايو) عام 2008. هكذا، راح مراسلو المحطات المناوئة للفريق السياسي الذي يمثّله أهل تلك المنطقة، يتجوّلون بحرية.
مراسلة «المستقبل» شهير ادريس دخلت في عمق الضاحية. لم تكن إدارة أخبار المحطة لتتخذ القرار بإرسال موفدتها لولا الدور الذي أدّاه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في اتفاق إطلاق سراح المخطوفين، وفق ما أعلن وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، ونواب «حركة أمل»، والسيد حسن نصر الله في حفل بنت جبيل يوم الجمعة. وبغض النظر عن الخلفيات والأهداف السياسية لدخول محطة الحريري إلى الضاحية، فإنّها المرة الأولى التي تنجو منها المنطقة من «الأبلسة» التي أدّى الإعلام دوراً كبيراً في إصباغ هذه الصفة بها، على رأسه شاشة «المستقبل» التي لطالما صوّرت الضاحية على أنّها جزيرة مستقلة «مارقة» على الدولة. وللمرة الأولى أيضاً، سقطت خطوط التماس والمتاريس الوهمية التي سيِّجت بها المنطقة في وسائل الإعلام اللبنانية، وتبين أنّ لا أساس لوجودها. ها هي القناة الزرقاء في عقر دار «حزب الله» تستطلع آراء السكّان الذين وجّهوا تحية إلى «السيد سعد الحريري». انسحب ذلك أيضاً على محطتي MTV و LBCI، اللتين أوفدتا مراسليهما الى هناك. حتى مراسل قناة المرّ قال بكل حرية في وقت متأخر من ذاك اليوم إنّ هناك انتشاراً حزبياً كثيفاً، تحسباً لأيّ ردّ فعل يقوم بها الأهالي احتجاجاً على تأخير إطلاق المخطوفين. لم يتوقف الأمر هنا، بل إنّ نائب «حزب الله» علي عمّار أطلّ عبر شاشة «أخبار المستقبل» ليهنئ اللبنانيين ويشكر جهود سعد الحريري. وفي المقلب الآخر، أطلّ عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري عبر شاشة «المنار» ليدعو الى وحدة الصف! سقوط كل الحواجز والمتاريس الوهمية بخبر تلفزيوني عن قضية انسانية، يستدعي دراسة وتعمقاً في كل ما جرى. لقد أظهر ما حدث أنّ الإعلام مثّل العمود الفقري للتفرقة بين الناس، لكن يبقى السؤال: ماذا ستقول تلك القنوات لمشاهديها الذين عبأتهم ضد الآخر على مدى سنوات؟ كيف ستقول لأهالي الطريق الجديدة إنّ هؤلاء هم أيضاً لبنانيون؟