باريس | اعتاد ساشا بارون كوهين (1971) إثارة الجدل عبر شخصيات إشكالية لا يكتفي بتقمصها على الشاشة، بل يتماهى معها في الحياة الفعلية، ويستعير ملامحها وطباعها المقيتة على مدى أشهر طويلة، أثناء الإعداد للفيلم والترويج له. عبر هذا النوع من «البيرفورمنس»، يسعى الكوميدي البريطاني إلى منح شخصياته امتداداً واقعياً، لمراوغة جمهوره وإيهامه بأنه أمام أعمال شبه توثيقية تروي سيرة شخصيات ذات وجود فعلي في حياة كل يوم. من «علي ـ ج» (2002) إلى «الدكتاتور» (2012)، مروراً بـ«بورات» (2006) و«برونو» (2009)، سعى بارون كوهين إلى تسليط الضوء، بأسلوب كوميدي فاقع وروح استفزازية لاذعة، على الجوانب الأكثر قتامة في الطبع البشري. شكلت العنصرية التيمة المركزية في أعماله، ما عرّضه لهجمات متعددة من قبل الذين يقرأون مضامين أفلامه قراءات حرفية.
بعد الرّواج الذي حقّقه «بورات»، هدّدت كازاخستان برفع دعوى ضده بتهمة الإساءة لسمعة البلاد! وحين قدّم «برونو»، اتُّهم بالترويج للنازية الجديدة، هو المنحدر من عائلة يهودية أرثوذكسية! وحالما نزل جديده «الدكتاتور» إلى الصالات، واجه حملة جديدة من بعض ممثلي الجاليات العربية في أميركا (راجع المقال أدناه). لاحقته تهم العنصرية ومعاداة العرب، إثر ظهوره في الأوسكار، ثم في «مهرجان كان» الأخير، في بزة «الدكتاتور»، متحدثاً الإنكليزية بلكنة شرق أوسطية!
بخلاف شخصية «بورات» الآتية من دولة حقيقية (كازاخستان)، ابتكر بارون كوهين لدكتاتوره الجنرال عمر علاء الدين دولة وهمية تدعى «واديا» تقع في القرن الأفريقي، بجوار مصر والسودان. حين يصل الجنرال ـــ القائد إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يستقبله المسؤول الأمني الأميركي المكلف بحمايته، قائلاً: «أهلاً بك في نيويورك. أقترح عليك أن تزور الـ Empire State Building، قبل أن تقوم أنت أو أحد أبناء عمومتك العرب بتدميره». وإذا بالدكتاتور يحتج، قائلاً: «لكنني لست عربياً. يرد عليه الضابط الأميركي: بالنسبة إليّ، ما دمت أسود ومتخلفاً ودموياً، فأنت عربي». قبل ستة أعوام، استعمل بارون كوهين شخصية «بورات» الصحافي الكازاخي الحاقد على الغرب والكاره لليهود والمثليين، لتسليط الضوء على النفاق الاجتماعي والسياسي الذي يحيط بالطهرانية المزعومة للمجتمع الأميركي. ها هو يتخذ من شخصية الدكتاتور علاء الدين وسيلة لكشف عنصرية أميركا ونظرتها المتعالية تجاه بقية شعوب العالم. حين يحط الرحال في نيويورك، يطلق الجنرال علاء الدين صيحة فرح: «يا للسعادة، أخيراً أنا في أميركا، مهد الإيدز». وتتوالى قفشاته الساخرة من السياسات الأميركية. حين يكتشف الجنرال أسعار المشروبات في ميني بار غرفته في «لانكاستر أوتيل» في نيويورك، ينتفض محتجاً: «أبناء الزانية، ويقولون عنّي إنّني مجرم دولي». وحين يتابع على التلفزيون صور «الانتفاضة الديموقراطية» في بلاده، يحاول الانتحار، فيثنيه مستشاره النووي عن ذلك، قائلاً: «يجب أن تدافع عن شرف المهنة. فأنت الآن الدكتاتور الوحيد الجدير بهذا الاسم، بعد رحيل صدام حسين وكيم جونغ إيل والقذافي و... ديك تشيني». وحين تسعى الدول الغربية إلى استدراجه نحو التوقيع على دستور لتحويل «واديا» إلى بلد ديموقراطي، يفاجئ المسؤولين الأميركيين بدعوته إياهم من منصة الأمم المتحدة إلى تبني الدكتاتورية، شارحاً أنّها ذات مزايا متعددة تسمح بتطبيق السياسات الأميركية على الوجه الأمثل: الانفراد بالسلطة، مراكمة الثروات بأيدي أقلية متنفذة، تصفية الخصوم والإعدام، لجم الحريات والتجسس على المواطنين من دون رادع ... من خلال شخصية الدكتاتور، يستدرج بارون كوهين جمهوره نحو لعبة مرايا تضيء على الرؤى العنصرية المتجذرة في السياسات الأميركية. وفي مشهد فاقع يلخّص خطاب الفيلم، يتم اختطاف الجنرال علاء الدين من ضابط «سي. آي. إيه» مكلّف بحمايته. يحاول هذا الأخير استنطاقه في جلسة تعذيب سريالية، سرعان ما تتحول إلى مسابقة يتبارى خلالها الجنرال ـــ القائد والضابط الأميركي لمعرفة أيهما الأكثر عبقرية في ابتكار فنون التعذيب!
لكنّ كل هذا لم يمنع بعضهم من مهاجمة الفيلم واتهامه بالترويج لخطاب عنصري معاد للعرب، رغم أنّه يتصدى لفضح العنصرية الغربية ضد العرب. ولعل تفسير هذه المفارقة سببه القراءات الحرفية التي تفتش في ثنايا الكوميديا العبثية الفاقعة التي يشتهر بها بارون كوهين، عن الشطط اللفظي الظاهري الذي قد يؤوّل عنصرياً. واللافت أن هذا الأمر لا يقتصر على «الدكتاتور»، بل ينطبق على كل أعمال كوهين، وخصوصاً أنّه يواصل استخدام شخصياته لاستفزازات كوميدية إضافية خارج أفلامه.

«الدكتاتور»: ابتداءً من 7 حزيران (يونيو) في صالات «أمبير» (01/616600) و21 في «غراند سينما» (01/209109)



الجنرال وSarko


خلال الحملة الرئاسية الفرنسية، أصدر بارون كوهين على موقع republicofwadiya، شريط فيديو ظهر فيه ببزة الجنرال علاء الدين تذكّر ببزة القذافي، قائلاً: «أسوة بزميلي الدكتاتور الليبي، أعلن أنّ جمهورية «واديا» ستموّل حملة ساركوزي». بعد هزيمة الأخير، أصدر شريطاً ثانياً للجنرال علاء الدين جاء فيه: «أهنئ فرنسوا هولاند، وأقول للفرنسيين إذا أردتم إعدام الرئيس المخلوع، فنحن جاهزون لإمدادكم بمقصلة تشتغل جيداً».