الرباط | بعد شهرين على مغادرته السجن، الذي قضى فيه عاماً كاملاً، أعلن الصحافي المغربي رشيد نيني «استراحته» من كتابة عموده الشهير «شوف تشوف» في صحيفة «المساء». الكاتب الصحافي الأكثر شهرة في المغرب، قرر الذهاب إلى «الصمت» حتى إشعار آخر، وفق ما أشار في مقاله الأخير «استراحة محارب» الذي نشر في جريدة «المساء» (الاثنين 28 أيار/ مايو 2012). الصحافي المشاغب (1970) الذي كان قد سجن لحوالى عام بتهمة «تحقير مقررات قضائية والتأثير عليها، والتبليغ عن جرائم يُعلم بعدم حدوثها، والمساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنين»، أعلن أيضاً استقالته من إدارة تحرير «المساء» التي كان من أبرز مؤسسيها عام 2006، تفادياً لاحتمال إغلاقها، وهي أكثر الصحف المحلية انتشاراً ومبيعاً.
وكتب نيني في مقاله الذي تناقله المغاربة على نطاق واسع: «أعتقد أن فترة من الراحة والتأمل بدأت تفرض نفسها عليّ بإلحاح، وخصوصاً أنه لم تعد لي علاقة مهنية بمؤسسة «المساء» التي أتمنى لها الاستمرارية والتألق والنجاح». وأشار نيني في مقاله إلى أنّه طوال اللحظات التي قضاها في سجنه الانفرادي، كان يفكّر في العودة إلى كتابة عموده «الذي بسببه أوجد في زنزانة رطبة أترصد جحافل الصراصير والعناكب وبقية الحشرات التي تقتحم عليّ عزلتي المحروسة والمراقبة على مدار اليوم والليلة». لكنّه عدل عن الفكرة لأن «هذا النوع من الكتابة في المغرب يقود صاحبها إلى ثلاث محطات: إما الصمت، أو النفي الذاتي، أو السجن» مقرراً اختيار الصمت، بعدما جرّب السجن «في أسوأ صوره وأكثرها تعبيراً عن الحقد والضغينة». وعدّد نيني عدداً من مبررات توقفه عن الكتابة، مثل «غياب قانون يحمي حق الصحافي في الحصول على الخبر، وحقه في حماية مصدره. وفي ظل قضاء فاسد وغير مستقل، يبقى «اقتراف» هذا النوع من الكتابة تحريضاً لكل أعضاء الكلمة الحرة على الأقلام التي ترفض الركوع والخنوع».
واستشهد نيني بمقولات شهيرة عدة لبرتولد بريخت، وليو تولستوي، وجان جينيه، وعبد الرحمن منيف، والمناضل محمد بن عبد الكريم الخطابي، كلها تصبّ في خانة حرية التعبير عن الرأي، ودور المثقفين والصحافيين في تحديد مصائر مجتمعاتهم، قبل أن ينهي استشهاداته بقول الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا: «أنا مفعمة بالحياة داخل هذا التابوت» في إشارة إلى وضعه في المغرب.
ونعى الصحافي المغربي رفاقه الذين طعنوه في ظهره وتركوه يواجه مصيره وحده، مندداً في الوقت نفسه بـ«صمت الجبناء والمنافقين والمداهنين، وصمت العملاء، وصمت المأجورين، وصمت حملة المسدسات الكاتمة للصوت الذين يطلقون رصاص غدرهم في الظهر». وقال إنه «أحياناً يكون الصمت أبلغ من الكلام»، وإنّ الربيع آت لا محالة «وإن داسوا زهوره بأحذيتهم الثقيلة»، قبل أن ينهي كلامه شاكراً جميع مؤازريه.
مصادر مقربة من رشيد نيني عزت في حديث إلى «الأخبار» قراره إلى «رغبته في أخذ مساحة للتأمل»، من دون أن تستبعد دخوله مرحلة تأسيس مشروع إعلامي جديد، قد يرى الضوء في المستقبل. مصادر أخرى تحدثت عن استحالة عودته إلى الكتابة في صحيفة «المساء»، مرجعةً السبب إلى «خلافات مع بقية المساهمين في المشروع»، وهو ما جعل نيني يقرر اعتزال الكتابة اليومية. هكذا، سيضطر متابعو كاتب أشهر عمود صحافي في المغرب إلى الانتظار طويلاً، بحثاً عمّن يكتب مجدداً باسم كادحي الشعب ومظلوميه، في بلد تضيق فيه دائرة الحريات يوماً بعد يوم.