يخوض بديع أبو شقرا تجربة الإخراج المسرحي للمرة الأولى. الممثل الذي رأيناه في تجارب تلفزيونية عدة، وبعض العروض، يقدم حالياً «سيستماتيكل» على «مسرح مونو». تروي المسرحية قصة حب بين فتاة (ميرا صيداوي) وشاب (بسام أبو دياب)، تتخللها لحظات شغف، وخصام، وجنس. «إنها حالة شيزوفرينيا تشبه حالة مدينة بيروت» كما يقول المخرج. الفضاء المسرحي يتحول إلى مساحة البيت الذي يحتضن العلاقة في صورة مجازية عن بيروت.
«الفتاة هي شارع من بيروت» و«الشاب هو الشارع الموازي». يلجأ الممثلان إلى الكلمات عبر مونولوجات تتكرر من دون أن تلتقي، ليظهر عدم الالتقاء الفكري بين الاثنين (الاختلافات الفكرية والعقائدية في المجتمع البيروتي). ومن التموقع الثابت غالباً في النصوص، يتلّون العرض بكوريغرافيا يتحرك فيها الجسدان في فضاء «المدينة». علاقة تنتهي إلى زواج حيث يجبر الشاب الفتاة على ارتداء الفستان الأبيض، لينتصب إلى جانبها في بذلته السوداء، ثم يلتقطان الصور التي لم تبارح أفق المسرح منذ أول العرض. هل تمثل صورة الزواج ذاكرة سعيدة لالتقاء الحبيبين وعهدهما للحياة؟ «هذه العلاقة، كالمسرحية، لا هيكلية متواصلة لها، ولا رسالة ولا سياق ولا إيحاء، بل حبّ وشغف...» يقول المخرج.
إنّه إذاً خيار واعٍ لطرح مسرحي تجريبي، يستند إلى الرؤية الإخراجية وقدرة الممثلين على إيصال المشاعر إلى الجمهور، فهل نجح في ذلك؟ إخراجياً، كان التكرار سيد الموقف. مشاهد، وجمل، وحركات (كوريغرافية) تتكرر طيلة العرض، ما أدى إلى إفراغ الفعل المكرّر من معناه وتعليقه في دوامة تقنية سطحية. أما النص الذي قُصد فيه عدم الترابط، فبدا أشبه بكلمات وأصوات تضاف إلى صوت الغيتار الكهربائي والإيقاع الحيّ (زاهر حماده) الذي لم يفسح لحظة صمت خلال العرض، بل كان مهيمناً على الفعل الدرامي ومرافقاً بشكل «سيستيماتيكيّ» لتحركات الممثلين على الخشبة. كلمات مبعثرة، وكوريغرافيا ركيكة من دون أن تخلو من الارتجافات المجانية، وشخصيات بلا سياق، عناصر اعتدناها في بعض التجارب المسرحية اللبنانية (اليافعة)، وخلنا أننا لن نعود إليها. لكن لماذا اختار بديع أبو شقرا والمجموعة أن يستعيدا تلك اللغة المسرحية التي يمكن تحميلها منتهى التأويلات وقد تكون خاوية في الوقت نفسه؟ أهكذا يرى المخرج بيروت: يمكن تأويلها كل شيء من دون أن تقول شيئاً؟ أما السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم: هل ما زلنا بحاجة إلى استعارات من قبيل بيروت والحبيبين، لنتكلم عن أحدهما؟ عاشقا «ميس الريم» قد تصالحا، وانطلقت السيارة إلى كحلون منذ زمن طويل، فأين المسرح اللبناني اليوم؟



«سيستماتيكل» لبديع أبو شقرا: 7:30 مساء اليوم وغداً ـــ «مسرح مونو» (الأشرفية، بيروت) ـــ
للاستعلام: 01/202422.