ليست أجمل أيام السينما، بل أجملها كمّاً في الإنتاج والصناعة. لبنان الستينيات كان محط أنظار السيّاح والتجّار والمثقّفين ومناصري فلسطين واللاجئين السياسيين والباحثين عن الحرية. كان ليل بيروت يضجّ بالحفلات، فيما ليل ضواحيها يرزح تحت أعباء اقتصادية ناتجة من فساد ووضع أمني هشّ. كلها عوامل ستتفاقم وتولّد حرباً تغير البلد ومعالم فنّه السابع الذي كانت توحي أفلامه حتى 1974 بأنّ لبنان بألف خير.
عندما أمّم الضباط الأحرار السينما في مصر، توجّه المخرجون والمنتجون المصريون الى بيروت التي كانت تحاول أن تنأى بنفسها عن مشاريع الوحدة العربية. هكذا، زاد الإنتاج المحلي مع الوافدين الجدد، وزاد عدد الاستديوهات التي كان أبرزها «استديو بعلبك» و«هارون». كما لمع عدد من المخرجين أهمّهم محمد سلمان. كانت سينماه جزءاً من تلك البروباغندا، لكن في خدمة المشاهير. عمل مع صباح، وسميرة توفيق، وزوجته نجاح سلام، وجورجينا رزق، والراقصة ناديا جمال. كانت أفلامه تجارية، توجّهت الى السوق الباحث عن صور النجوم، من دون اهتمام ببُنية درامية... وهي إن وجدت، فستكون «سطحية» كما يصفها الباحث والمخرج هادي زكاك في كتابه «السينما اللبنانية ـــ مسار نحو المجهول».
إلى جانب سينما المشاهير وغرامياتهم، أطلّ فيلم الأكشن، أو الفيلم البوليسي عبر التأثّر بالسينما الأميركية. هكذا، أخرج محمد سلمان «الجاغوار السوداء»، وكاري كارابتيان «غارو»، وأنطوان ريمي «بيروت صفر 11». لم تمتلك السينما اللبنانية في تلك الحقبة أي هويّة، ساهمت في ذلك الإنتاجات المشتركة اللبنانية ـــ المصرية إلى أن ظهرت السينما الرحبانية التي افتتح يوسف شاهين أفلامها بـ«بياع الخواتم» (1965). ثم أكمل هنري بركات مع الرحابنة في «سفر برلك» (1967) و«بنت الحارس» (1968). في الستينيات أيضاً، برزت سينما المقاومة الفلسطينية مع انطلاق الفدائيين في جنوب لبنان والأردن بعد النكسة. حينها، أنجز كريستيان غازي «الفدائيون». تبعه «فداك يا فلسطين» لأنطوان ريمي و«كلنا فدائيون» لكاري كارابتيان، و«الفلسطيني الثائر» لرضا ميسر. هنا، نلاحظ أنّ صناعة الأفلام كانت بحسب الموجة. نرى أن أسماء مخرجي أفلام الرومانسية والأكشن، تتكرر في أفلام المقاومة! مع بداية السبعينيات، انحسر الطلب على الأفلام اللبنانية، واستعادت مصر موقعها في الإنتاج. تختار «متروبوليس» في برمجتها مجموعة من الأفلام التجارية التي تبرز أحد وجوه السينما اللبنانية في تلك الفترة. ستغيب عن المهرجان أفلام المقاومة الفلسطينية وأفلام الرحابنة. لكننا سنستعيد سينما أيام العزّ التي لم تعبث بها يد الحرب الأهلية، ولم تتحوّل صالاتها إلى أماكن يتسكع فيها المقاتلون لمشاهدة الأفلام الإباحية، أو تُخبّأ تحت كراسيها العبوات المتفجرة. مع ذلك، منحت الحرب السينما اللبنانية هويةً واستقلالية وصبغة مستمرة، تمثلت في تجارب مارون بغدادي، وبرهان علوية، ورندا الشهال، وجوسلين صعب، وجان شمعون، وغيرهم.