غزة | الثورة ليست عرض أزياء جميلاً أو قبيحاً. ليست مجرّد هتافات للحرية، أو ملصقات كبيرة معلقة في الشوارع لتشدّ أنظار المارة إليها. إنها تاريخ نضالي قديم يتعدّى حدود «الموضة» إلى الالتفاف الجماهيري حول قضية معيّنة، من دون شوفينية أو سعْي إلى حصد الألقاب. انطلاقاً من هذه الفكرة الساخرة والناقدة في آن واحد، قدّم التشكيلي الفلسطيني الشاب إبراهيم جوابرة (1985) تجربته الأدائية «الثورة ليست عرضاً شعاراتياً» أخيراً في القاهرة.
قرر جوابرة تسليط الضوء على مشاهد من أجواء الثورة المصرية التي عايشها وتفاعل معها. مشاهد أكثر بؤساً مما قد يُخيّل، تحيل إلى التسلّق على ظهر الثورة، أو استثمارها لمصالح شخصية. مقطع فيديو، سيبدأ مع هتاف بالشعار الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، قبل أن تخرج علينا ثلاث عارضات أزياء، يرتدين أكفاناً ملطّخة بالدماء، لكن لكل كفن/ ثوب «ستايله» الخاص فوق منصة العرض الزرقاء. صورة العارضات بثيابهن، تخلق صدمة لمن يتوقعون أنّ تلك الشعارات لن يليها سوى تظاهرات وحشود. إنها سخرية سوداء مبطنة، يفتح بها جوابرة أبواب التساؤلات عن دماء شهداء الثورة، وتحوّلها إلى سلعة تباع وتُشرى في أسواق التخاصمات السياسية أو الاجتماعية، أو حتى الدينية. بعد أن تنهي الموديلات الثلاث «عروضهنّ»، سيصعد جوابرة إلى المنصة ليلتفّ هو الآخر بكفن ملطّخ بالدماء، بعد أن يستلقي على الخشبة الزرقاء، ليراوح مكانه. يرتدي كفنه. يعاركه كأنه العدو حيناً، ويختبئ داخله كأنه المصير النهائي حيناً آخر. إنه الجسد باعتباره بوتقة تنصهر فيها أحاسيس تتقاسمها شريحة كبيرة من أفراد المجتمع الذين أسهموا في اختزال الثورة إلى مجرد مظهر أنيق يحبون الظهور به أمام الجميع. لعب هؤلاء دوراً كبيراً في تفريغ فكرة التحرّر من معناها... فكرة دفع ثمنها الكثير من الأطفال والأمهات والآباء خلال الثورة. وفي مقابل هؤلاء، ثمة من يكرسون أوقاتهم لصنع اللافتات، وتأليف الشعارات القادرة على تجييش الآخرين. لم يشأ إبراهيم جوابرة أن تضيع الثورة، بمفاهيمها وقيمها ومعاناتها بين هذا وذاك. هذا النمط «الثورجي» الجديد، لفت انتباه جوابرة إلى تحوّل مفاهيم الثورة من نضال وطني، إلى «مشروع استثماري بحت». الكل في نظر الفنان الفلسطيني، يشارك في صنع هذا المشروع وتضخيمه من خلال المتاجرة به في كل المجالات، السياسية، والدينية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية. تجربة إبراهيم جوابرة الأخيرة، لا تنفصل عن تجاربه السابقة التي تولي الجسد المفرد مساحات واسعة للتعبير عن الجماعة.