في «القصص القرآني قراءة معاصرة ــ الجزء الثاني من نوح الى يوسف» (دار الساقي) يقدم محمد شحرور مقاربة جديدة لروايات الأنبياء الواردة في القرآن. يستند المفكر السوري والمهندس المدني إلى مناهج متداخلة من بينها تحليل المضمون وفقه اللغة. والكتاب هو الجزء الثاني من «مدخل الى القصص وقصة آدم»، إذ يحاول المؤلف تفكيك السرد الديني للأنبياء من نوح الى يوسف. لا يهدف الكاتب الى تثوير العقل الفقهي الإسلامي بالمعنى الانقلابي، بل يحيط بالظروف التاريخية التي رافقت رحلة هؤلاء الأنبياء على طريق التوحيد، مستخدماً أدوات العلوم الاجتماعية للخروج بنتائج تختلف عن المقاربات التقليدية. ويقارن بين الروايات القرآنية والتوراة، مستخدماً النصوص الدينية (القرآنية والتوراتية) التي روت قصة الأنبياء لتبيان الفوارق والاختلافات. مع نوح، يستهل الكاتب مطالعته للقصص القرآني، ويجري مقارنة بين الطوفان السومري والطوفان التوراتي والقرآني. يعود شحرور الى أطروحة الباحث زينون كاسيدوفسكي «الواقع والأسطورة في التوراة» لتحديد الظروف التاريخية والمكانية التي أدت الى الطوفان زمن نوح، فهو أولاً وقع في الفترة العُبيدية (جنوب الرافدين) واقتصر على منطقة جغرافية محددة، وهو قصة سومرية أخذها قدماء اليهود ودونوا روايتهم عنها.
يطرح شحرور تحليلاً مختلفاً لقصص الأنبياء من نوح الى يوسف، ويكشف عن تراكم علوم النبوة ومعارفها، وكيف أن الإنسان تعلم على يد نوح اجتياز الحواجز المائية، وعلى يد شعيب الوفاء بالكيل والميزان، وعلى يد يوسف ادخار المحاصيل الزراعية لأيام القحط. ويدرس تنوع الشرائع وتطورها.
بعد هود وصالح وشُعيب، يصل الى ابراهيم جامع الديانات التوحيدية، ويورد لنا التفاصيل التي أحاطت بقصة ترحاله نحو الله، رغم أن المفهوم (الله) لم يكن قد تشكل طبقاً للفهم المعاصر. ويصل الى المعطيات الآتية: «آزر» الذي ورد اسمه في القرآن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [ الأنعام: 74) «أبو ابراهيم (أي ربيبه) وليس والده... وكان له المثل الأعلى في الدين والعقيدة»، كما أنّ البيت العتيق أي الكعبة كان موجوداً قبل قدوم ابراهيم، وأنّ الأمر الرباني جاء بالتطهير لا بالبناء؛ وأنّ الناس كانوا يقدمون القرابين البشرية لآلهتهم. وهذا الطقس انتهى في عهد ابراهيم رغم أنه حاول تقديم ابنه اسماعيل كأضحية. وأخيراًَ، فالقرآن لم يمنع أهل الكتاب من الاقتراب من المسجد الحرام كما يؤكد الفقهاء الذين استندوا الى الآية 28 من سورة التوبة.
ينتقل شحرور الى لوط كما وردت قصته في القرآن والتوارة، ويضيء على الحقيقة العلمية والجيولوجية والأثرية لموقع سدوم وعمورة (في البحر الميت)، وهما مدينتان تعرضتا لزلزال عنيف أدى الى هلاك قوم لوط. بعد المقارنات بين الرواية اليهودية والقصص القرآني، يصل شحرور الى هذه الخلاصة «المرويات التوراتية قدمت الأنبياء من ابراهيم وحتى يوسف بشخصيات فردانية واقعية بشكل طبيعي، في حين أن القرآن الكريم أظهر الأنبياء برسالة وحدانية وطهرانية تليق بأنبياء الله. كذلك نجد أن روحية النبوة لم ترافق أنبياء التوراة فظهروا بصورة الخاطئين والممارسين لشتى صنوف الخطيئة والاحتيال».