طلب المخرج وسام عربش من الكاتب اللبناني شريف غطاس أن يؤلّف نصاً يحاكي الانتفاضات العربية، فجاءت مسرحية «اليوم الأول» التي أخرجها عربش وتُعرض حالياً في «دوّار الشمس». في العمل، تقرّر نور (ندى أبو فرحات) زوجة شريف، رئيس إحدى الدول (رودريغ سليمان)، أن تقيم له احتفالاً بعيد ميلاده، فتدعو العديد من الرفاق والأصدقاء القدامى.
أما ابنته (يارا بو نصار)، فتدعو صديقه من زمن الدراسة جورج (إيلي متري) الذي يحضر لإعادة ربط العلاقة بشريف المقطوعة بسبب الخلافات الايديولوجية بينهما. لكنّ شريف الذي يعاني حكمه من شبح ثورة بدأت تكبر ككرة الثلج، يقرّر البقاء وحيداً ومعزولاً داخل أسوار قصره. أما خارج القصر، فالثورة انطلقت، والشاب خالد (إيلي متري أيضاً) يغامر بكل ما يملك وبمستقبله الواعد في رياضة كرة الطاولة، لإنجاح الثورة التي يعتبرها الأمل الوحيد في التغيير والحرية. لا يبالي بنصائح مدربّه (عبدو شاهين) الذي يدعوه إلى «الابتعاد عن المشاكل»، بل يترك كل شيء ليوزّع المناشير، بينما يترك شريف ضيوفه في عيد ميلاده ليمارس كرة الطاولة!
يستقبل الممثلون الجمهور في المسرح بعفوية مطلقة. على الخشبة، يرحبون بالمشاهدين، ويلقون التحية على أصدقائهم. ولحظة بدء العرض الفعلي، يتوجهون إلى الميكروفونات المثبتة في مقدمة المسرح، لينطلق حوار متقطع بينهم، يوحي بمنطق ضمني من دون أن يكون ظاهراً للمشاهد... ثم تبدأ تلاوة التعليمات المسرحية. أحد الممثلين يحدد فضاء المسرح على الميكروفون: إنه مكتب شريف ويطلب من رودريغ اتخاذ الدور، فيساعده الجميع في ارتداء الملابس وتجهيز الديكور. خيار «بريختي» سيلجأ إليه المخرج طوال العرض لإعادة تحديد سياق الحدث، والشخصيات، ولإعطاء مساحة للشخصيات التي يتقدم بعضها أحياناًَ للإدلاء بجملة، أو موقف، مما سيخلق مساراً يتأرجح بين فضاءين. في الفضاء الأول، أي الخشبة، يحاول الممثلون لعب الأدوار، وتجسيد أحداث القصة. أما الفضاء الثاني، أي مقدمة المسرح مع الميكروفونات، فهو أشبه بالمنبر، حيث تعلن المواقف، ويخرج الممثلون من الفضاء الأول لقول «الحقيقة». قد يبدو النص المكتوب لتجسيد سياق شريف وخالد والمحيطين بهم، ضعيفاً. أما السينوغرافيا (وسام عربش) فتُختصر في طاولات كرة المضرب التي تتحول إلى مكتب وجدران، ومرآة.. إذاً، هل الحقيقة فعلاً موجودة أمام الميكرفون، حيث الممثل يبذل جهداً أكبر ليقنع المشاهد بأنه لا يمثل، أم أنها في الفضاء الثاني الذي يعلم الجميع أن ما يجري فيه ليس إلا تمثيلاً؟ سياسياً، يبدو الفعل الحقيقي في المنطقة الفاصلة بين الفضاءين: ليس في الفضاء الثاني، حيث الخطابات تُتلى من وراء الميكروفون، ولا في الأول حيث الممثلون يحاولون إقناعنا بأنّ الواقع مزيّف. بين الميكرفون والخشبة، يتم تغيير الديكور، ويرتدي الممثلون ثيابهم: إيلي متري يتحول من خالد إلى جورج، ويارا بو نصار من الابنة إلى والدة خالد، ورودريغ سليمان من شريف إلى خال خالد. تلك اللحظات التي تفصل الممثل عن دور وآخر، هي اللحظات الفردية، حيث يجد كل إنسان ذاته في عزلة عما يجري حوله، ويقرر فيها أن يتحول. هل هي تلك اللحظة التي تسبق الثورة؟ نجح عربش في خلق فضاءين مختلفين، ساعده في ذلك تمكّن الممثلين من التنقّل بين الأدوار، ورؤية إخراجية ترسم حدود الفضاءين في بادئ الأمر، لتأخذ الحدود بالتلاشي تدريجاً، فتحترق منطقة الوسط شاهدةً على التحولات البسيطة والصغيرة التي تشكل أساس التحولات الكبرى.

«اليوم الأول»: 8:30 مساءً لغاية 17 حزيران (يونيو) ـــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة، بيروت) ـــ للاستعلام: 01/381290



سيرة

ولد المخرج والممثل وسام عربش (1974) في لبنان وعاش معظم حياته في فرنسا. اهتم بمسرح برتولد بريخت، ومنه بالنصوص المسرحية المعاصرة. عمل مساعد مخرج للفرنسي أوليفيه بي، إلى أن بدأ اهتمامه ينصب على الشعر وعلاقته بالمسرح. قدم «جدارية» محمود درويش عام 2007. وفي عام 2009، قدّم «طقوس الإشارات والتحولات» لسعد الله ونوس في عرض في دمشق، واثنين في حماه، قبل أن تمنعه الرقابة في حلب. وفور عودته إلى فرنسا، بدأ بتنظيم أمسيات «الشعر: أرض اللغة العربية» في مسرح «الأوديون» والمستمرة حتى اليوم.