القاهرة | في ظل انشغالاته الكثيرة واجتماعاته مع القوى السياسيّة من أجل تشكيل الجمعيّة التأسيسيّة للدستور، فوجئ رئيس الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي محمد أبو الغار بجريدة «الأهرام» تنشر اللوحة الشهيرة «الكورس الشعبي» للتشكيلي عبد الهادي الجزار (1925ــــ 1966). وقد غطت الجريدة صدر المرأة العارية في إجراء عدّه تشويهاً لتاريخ الفن المصري وتزييفاً له.
ورأى أبو الغار أنّ ما فعلته الجريدة هو فضيحة كاملة الأوصاف، وبروفة لوضع الفنّ تحت حكم الإسلاميين في مصر. ولم يحدد المسؤول عن «الفضيحة» التي نشرت الثلاثاء الماضي، فهل هو أحد العاملين في المطابع، أم هو المشرف على الصفحة الفنية؟
عاشق الفن التشكيلي أبو الغار، لم يكتئب منذ قيام الثورة، حتى بعد فشل تشكيل الجمعيّة التأسيسيّة للدستور مرتين متتاليتين، بقدر اكتئابه عندما رأى التشويه الذي تعرضت له صورة الجزار الشهيرة التي تعدّ «محاولة نفاق» لتيّار لم يتسلم السلطة بعد.
المفارقة الموجعة أن اللوحة نشرت في زاوية بعنوان «الكورس الشعبي يتحدى الظلم» ونشرها بهذه الصورة المشوّهة يُعَدّ ظلماً. والمفارقة الأخرى أنّ هذه اللوحة كانت سبباً في اعتقال الجزّار بعد عرضها للمرة الأولى عام 1948 في معرض لـ«جماعة الفن المعاصر» التّي أسّستها مجموعة من الفنانين، بينهم الجزار الذي اعتقل وصودرت لوحته وأُقفل المعرض. ولم يكن سبب المصادرة والاعتقال، هو عري اللوحة، بل الموقف السياسي المنتقد للنظام الذي تعبّر عنه. وكانت تلك المرة الأولى التي يعتقل فيها فنان في مصر بسبب لوحة مرسومة. وقتها، تدخل محمد ناجي ومحمود سعيد وكانا من أشهر فناني ذلك العصر، وذا نفوذ كبير، فأفرج عن الجزار الذي تعهّد ألّا يكرر أفعاله «الهوجاء». وقد أعاد الجزار رسم اللوحة عام 1951، بعد اختفاء اللوحة الأصليّة لتوضع في «متحف الفن المصري الحديث» بعد ثورة يوليو 1952 حيث لا تزال موجودة حتى الآن.
وتمثل اللوحة مجموعة من البشر من رجال ونساء وأطفال يقفون معاً حفاة القدمين، بملابسهم البالية والغريبة، بينهم المنقّبة والمحجّبة والعارية وذات الشعر الأشعث ورجال يرتدون ملابس النساء، كدليل على ضعفهم وتفاوت أعمارهم وأمامهم أطباق فارغة، كأنهم ينتظرون من يضع فيها الطعام. ويظهر على وجوههم البؤس والشقاء، مستسلمين لقدر لا حول لهم فيه ولا قوة. وتعكس اللوحة حالة الفقر والجوع التي وصل إليها المجتمع في ذلك الوقت، وتحمل إسقاطاً سياسيّاً يدل على فساد الحكم.
والمعروف أنّ الجزار أحد كبار روّاد الفن التشكيلي المصري، شكل مع «جماعة الفن المعاصر» التي أخذت على عاتقها تحرير الفن من الشكل الأكاديمي الغربي. وتحقق الأمر عندما عبّر عن الأساطير والأفكار المتوازنة والأحلام التي يعيش فيها أبناء الطبقات الشعبية.