«غيرك يا علي بالشدايد ما لنا». يبدو أنّ لازمة العتابا تلك يجب أن تتردّد في كل «مولد» يجري فيه إحياء ذكرى الإمام علي. أمسية «في محضر علي» التي دعت إليها جمعية «رسالات» على مسرحها أخيراً بالتعاون مع بلدية الغبيري (بيروت)، كانت مناسبة لتوجيه تحية إلى الأخيرة التي وضعت مجمعها الثقافي في تصرف الشراكة الثقافية والفنية بين البلدية وجمعية «رسالات». بعد كلمة رئيس البلدية محمد سعيد الخنسا، ألقى الشاعر الزجلي محمد زين شعيب عدداً من قصائده «على طريقتنا بالعامية». وقد قدم شعيب الحفل من ألفه إلى يائه، مستعيداً ذكرى علي ـــ إعداداً وارتجالاً ـــ بما يناسب الذوق الجماهيري تارة، وبنفحات فلسفية تحاكي فكر الإمام أطواراً أخرى. بعدها، كانت هناك مساحة من «الإنشاد الحي» للمنشد حسين زعيتر وفرقته كما عرّفه شعيب. كذلك كانت هناك فسحة لـ«ارتجال لحني» يقول زعيتر، فالمسرح يمنحه حيّزاً أكبر للجمل اللحنية، وفرصة للعطاء بسبب التفاعل مع جمهور حي ومباشر، وهذا جزء من دراسته الأكاديمية.

زعيتر الذي بدأ منشداً هاوياً في فرق عدة، صقل هذه الهواية من خلال التمرّس، والإعداد الأكاديمي. هكذا، حصل على إجازة في تعليم الإنشاد التقليدي والموسيقى الشرقية العربية من «الجامعة الأنطونية»، وهو يجمع بين العمل الأكاديمي من خلال التدريس، والعمل الفني الاحترافي من خلال تأسيس فرقته الخاصة للتواشيح الدينية والعرفانية. تتألف الفرقة من مجموعة شباب يتولى زعيتر تدريبهم وتطوير مهاراتهم. لكن في أمسية غلب عليها التراث العربي دون الوطني اللبناني، وتحديداً الجبلي، كيف تم الخلط بين القوالب؟ لا يرى حسين زعيتر مشكلة في ذلك.
الأمسية بدأت بالقوالب الكلاسيكية عبر توزيع جديد مثلاً للقصيدة الكوثرية، ومطلعها: «أمفلج ثغرك أم جوهر/ ورحيق رضابك أم سكر» ثم تدرجت الفرقة في مختارات ممّا يسميها «الصحيفة العلوية» بين المناجاة والابتهال والتواشيح، ثم العامي الكلاسيكي، مستخدماً مقامات عدة، كمقام الحجاز، والبياتي، وصولاً إلى العتابا اللبنانية التي يرى أنّها قد تصبح جزءاً من القوالب الكلاسيكية تماماً كما هو شأن الموال الحلبي. بدت أمسية «في محضر علي»، بألوانها الكلاسيكية والشعبية، محاولة جادة للخروج على التقليد في إحياء الذكرى، واحتفالية بالكلمة والموسيقى والإنشاد، تكرسها مواهب واعدة، تجمع بين الاحتراف والموهبة، والخبرة الأكاديمية.