حين أبصرت «نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع» النور في لبنان قبل أشهر، تفاءل كثيرون خيراً، وخصوصاً عندما أعلنت أنّها ستكون في منأى عن الانقسامات السياسية والطائفية في البلد. لكنّ الرياح جرت بما لا تشتهي سفنها. ها هي تتعثّر في الاستحقاق الأول الذي تخوضه وتبتلعها رمال السياسة المتحركة. يوم أمس كان خير دليل على ذلك مع انتخاب أعضاء أول مجلس إدارة للنقابة (12 عضواً) في مبنى الأونيسكو في بيروت. انسحب عدد كبير من المرشحين وغاب الكثير من الإعلاميين المنتسبين حديثاً إلى النقابة، متنازلين بذلك عن حقهم في انتخاب مجلس يمثّلهم بسبب خلافات لم تحسمها الدقائق القليلة التي سبقت فتح صناديق الاقتراع. سبب كل هذه البلبلة والانسحابات يعود إلى عجز الأطراف عن التوصّل إلى حلّ يقضي بالتوافق على المجلس، وظلّت المفاوضات جارية حتى اللحظات الأخيرة من انطلاق السباق. لكنّ التوافق لم يحصل على الأرجح بسبب الانقسامات السياسية بين المرشحين. هذا الأمر دفع بعضهم إلى الانسحاب مثل وليد عبود وسعد إلياس.
عندما كان خارجاً من المبنى، شرح عبود لـ«الأخبار» سبب اعتكافه بعد كل الجهود التي بذلها في الفترة الأخيرة، علماً بأنّه من مؤسسي النقابة. قال: «كنا نأمل أن يكون المجلس النقابي الأوّل توافقياً، لكنّ المساعي لم تنجح لتحقيق هذه الغاية، فانسحبنا». أما سعد إلياس، فاستبعد أن تقام الانتخابات في ظل عدم اكتمال النصاب الذي يتطلّب الحصول على النصف زائداً واحداً، ما يعني في هذه الحالة 151 إعلامياً من أصل 300 مستوفي الشروط اللازمة للتصويت. لكن ما هي إلا دقائق حتى اكتمل النصاب وانطلقت عملية الاقتراع.
في الظاهر، كان المشهد عادياً، انتخابات ديموقراطية، مجموعة من المرشحين يتنافسون رغم غياب عدد كبير منهم. أما في الباطن، فسرعان ما انقسمت الوسائل الإعلامية بحسب انتمائها الطائفي والسياسي السائد في البلد: 8 و14 آذار ملوك الساحة الإعلامية. حتى ساعات الظهر، لم تكن اللوائح النهائية قد تشكّلت بعد، لكن انسحاب مرشحي الوسائل الإعلامية المحسوبة على المعارضة الحالية كوليد عبود (أم. تي. في)، وسعد إلياس (إذاعة «صوت لبنان)، ومنير الحافي وشربل عبود (تلفزيون «المستقبل») وماري نويل شدياق (إذاعة «لبنان الحر») وبسام أبو زيد (المؤسسة اللبنانية للإرسال)، فتح المجال أمام المرشّحين الـ 12 الآخرين للاصطفاف في لائحة واحدة مكتملة شكّلت «تحالف» قوى 8 آذار (فازت بكامل أعضائها). هكذا تألفت هذه اللائحة من مارون ناصيف وجاد أبو جودة عن (OTV)، وأرمين أبداليان (راديو فان)، ومحمد علي مهدي (إذاعة النور)، ورندلى جبور ورانيا حبيب (صوت المدى)، وإبراهيم فرحات (المنار)، وإسماعيل الأمين (تلفزيون «العالم»)، ووسام طرابلسي (صوت بيروت)، وفراس حاطوم وفادية بزي (الجديد)، ورضوان حمزة (صوت الشعب). إذاً، وقع الانشقاق قبل البدء بالعمل الجدي والفعلي للنقابة التي رفعت شعارات جميلة في أولى خطواتها التأسيسية. بينما كانت تريد أن تنأى بنفسها عن الاصطفافات السياسية والطائفية، إذا بها تغرق بها حتى أذنيها في أول استحقاق لها... فهل ستقدر على استكمال الطريق رغم الانطلاقة المتعثرة؟