ابتداءً من اليوم، يَعِدنا مهرجان «هاي فيستيفال بيروت» بثلاثة أيام من النقاشات الثرية حول الصورة الراهنة للفنون المعاصرة وأشكال الكتابة والميديا وحقوق الإنسان والنزاعات السياسية. كأننا أمام نسخة منقّحة ومزيدة من مهرجان «بيروت 39» الذي أقامته الجهة ذاتها قبل عامين. إضافة إلى الكتابة الأدبية التي حضرت وحدها حينذاك، يقترح المهرجان مساحة أوسع للفنون المتجددة والأفكار المعاصرة. ورغم إقرار مديرة المهرجان كريستينا فوينتس لاروش بـ«تضاؤل حصة الأدب»، تؤكد أنّ «الحدود الفاصلة بين أشكال التعبير بدأت تتلاشى»، والمناسبة لم تكن يوماً «مهرجاناً أدبياً، بل مهرجانٌ للأفكار». كأن النسخة الحالية تؤكد صعوبة استجابة الكتابة التقليدية وحدها لما يحدث، خصوصاً في العالم العربي.
المهرجان الذي مضى على تأسيسه ربع قرن، وأقيمت دوراته السابقة في مدنٍ مختلفة، تنعقد دورته الحالية بالتعاون مع «مركز بيروت للفن» (BAC) و«زيكو هاوس» تحت عنوان «تخيَّل العالم»، وتجمع أكثر من 50 مبدعاً في حقول التعبير المختلفة. لعلّ اختيار بيروت للمرة الثانية، هو اعتراف مكرّر بخصوصية هذه المدينة الطليعية المنفتحة على الآخر، والعائمة على مجموعة من المتناقضات الاجتماعية والسياسية، والمحكومة بـ«تروما» متعاقبة وعبثية للحرب والسلم الأهلي الهش. لقد نشأ جيل لبناني كامل على الممارسات المعاصرة، وتطعيم أشكال التعبير السائدة بأفكار وتصوراتٍ جديدة ومستفزة. القصد أنّ الضيوف القادمين من جنسيات وخلفيات ثقافية مختلفة سيجدون مشاركينَ محليين يُشاطرونهم أسئلة اللحظة الراهنة، ويتبادلون معهم وجهات نظر متقاربة حول العناوين المطروحة في البرنامج. موضوعاتٌ يُراد منها إظهار الحيوية والديناميكية التي باتت تطبع أمزجة الأجيال الجديدة، لكنها تسعى إلى تحديث نبرات وحساسيات المشاركين الأكبر سناً أيضاً. لا يمكن المرور سريعاً على جميع المواعيد المبرمجة، لكن من الطبيعي أن تستهدف إثارة نقاش بين مبدعين ينتمون إلى حقول تعبيرية متماثلة، لكنهم قادمون من لغاتٍ وخلفيات ثقافية متباينة. هكذا، يدشن المهرجان نشاطاته اليوم بلقاء بين الروائي الفرنسي ماتياس إينار والكاتبة اللبنانية بالفرنسية هيام يارد (س:6:00 ــ BAC)، حيث يُفترض أن تحضر صورة الحرب وأساليب التعبير عنها لدى صاحب «منطقة» التي تُرجمت أخيراً إلى العربية، وبين نبرة مادية ومسننة تتجاهل السرد المائع والمثالي للحرب الأهلية لدى صاحبة «تحت العريشة». يعقب ذلك لقاء «نقاط عبور الذاكرة في مدينة ما بعد الحرب»، ويتحدث فيها الفنان والباحث اللبناني وليد صادق، والسينمائية والناشطة الألمانية المقيمة في بيروت مونيكا بورغمان، والمهندسة المعمارية اللبنانية عبير سقسوق – ساسو. اللقاء الثاني يبدو استكمالاً للأول، والاثنان يفسحان المجال لـ«تخيُّل» ما سيحضر في اللقاءات التالية. لا تغيب ثيمة الحرب وجروح النزاعات السياسية في ندواتٍ أخرى. في «الثورة ستعرض على الإنترنت» (اليوم، س:8:30 ــ زيكو هاوس)، تتحدث المدوِّنة السورية مارسيل شحوارو، والمصرية سندس شبايك، عن الشبكة العنكبوتية كمصدر للمعلومات وفضاء للتعبير في أنظمة مقيِّدة للحريات. وستشهد ندوة «من الحرب إلى الكلمة» (5/7 ــ س:6:00 ـ BAC) نقاشاً في أساليب تغطية الحروب في زمن وسائل الاتصال المنحازة، ويشارك فيها: الصحافي الأميركي جون لي أندرسون، والنرويجية آسني سييرستاد، والسوري – البريطاني روبن ياسين كسّاب. ويشارك في ندوة «كتَّاب وشهود» (6/7 ــ س: 6:00 ــ BAC)، ثلاثة روائيين بلغوا سابقاً قائمة «بوكر» القصيرة، وهم: خالد خليفة (سوريا) ومنصورة عز الدين (مصر) والحبيب السالمي (تونس)، بينما تحضر الحرب بطريقة مواربة ومينيمالية في «دور الكتّاب في المجتمع الطائفي» ( 6/7 ــ س: 2:30 ــ BAC) التي يشارك فيها الشاعران عباس بيضون وعبده وازن، إلى جانب الروائية نجوى بركات.
إذا كانت هذه اللقاءات تعكس أسئلة الحاضر الشائكة في لحظة تشهد تغيرات سياسية دراماتيكية في المنطقة، فإن أسئلة موازية لا تقل أهمية تحضر في لقاءات أخرى تترجم ممارسات كتابية وفنية تتنامى في المجتمعات المهدَّدة نفسها، لكنها تفعل ذلك بوسائل وتعبيرات مختلفة (راجع الكادر). ليس حدثاً عادياً أن يلتقي هذا العدد من الكتاب والفنانين المنتمين إلى الممارسات الثقافية المعاصرة. هناك تفاوت طبيعي في تجارب المشاركين، وقد يعلو الصخب الاحتفالي على التراكم الحقيقي والمأمول، ولكن المهرجان يستحق أن يوصف بأنه أحد التمارين الجادة على مستقبل الكتابة والفن والحريات.

مهرجان «هاي فيستيفال بيروت»: بدءاً من اليوم حتى 6 تموز (يوليو) ـــ «مركز بيرون للفن» (BAC، جسر الواطي ـــ 01/397018) و«زيكو هاوس» (سبيرز ـــ 01/746769)



كوميكس

لا تغيب المذاقات المعاصرة عن لقاءات المهرجان. في «قصص تصويرية» (4/7 ـ س:8:30) يتحدث اللبنانيان مازن كرباج وزينة أبي راشد والبلجيكية جوديت فانيستندال عن تجاربهم في فن الكوميكس، وفي «قصص بصرية» (5/7 ـ س:8:00)، يناقش مؤسّسا مجلة «السمندل» عمر خوري وحاتم إمام أسرار الكتابة التصويرية الهزلية، إلى جانب البريطانية كاري فرانسمان التي لاقت أعمالها حفاوةً واسعة في المجال نفسه، بينما تضيء ندوة «كتب وغيرها من القصص» (6/7 ـ س:7:15) على تجربة الروائي الكندي – الفليبيني ميغيل سيجوكو، والروائي الإيطالي باولو جيوردانو ككاتبين شابين حازت أعمالهما جوائز مرموقة. ويشهد اليوم الختامي قراءات شعرية لمجموعة «غزانادو» (10:00 ليلاً ــ زيكو هاوس) يشارك فيها: سوزان تلحوق، ومازن زهر الدين، وساسين كوزلي، وزينة الخليل وتينا قش.