القاهرة | ليست الصلات العائلية ظاهرة حديثة في هوليوود الشرق، لكنها اختلفت لدى أجيال الرواد من حيث طبيعتها، ولم تحمل بالتأكيد شبح التوريث الفني. تمثّلت أقدم حالات القرابة في «الأخوين لاما». الشقيقان الفلسطينيان بدر وإبراهيم لاما وصلا إلى الإسكندرية عام 1916، وأسسا «كوندور فيلم» التي أنتجا عبرها أول فيلم مصري ــ عربي صامت سنة 1927. أخرج الفيلم إبراهيم لاما، وكان عنوانه (يصعب تصور مثله الآن) «قبلة في الصحراء».
ولأنّ العمل في الفن كان مرفوضاً مجتمعياً ــ كما عاد الآن ــ وخصوصاً لجهة المرأة، كانت العائلات التي تسمح لبناتها بالعمل في الفن تنحدر عادة من أصول غير مصرية، أو كانت من اليهود. أما العائلات المصرية التقليدية، فمليئة بقصص هروب شابات إلى «مسرح يوسف بك وهبي» أو «جورج أبيض»، ومن أشهرهن أمينة رزق التي تركت طنطا إلى القاهرة عام 1924 بصحبة عمتها الممثلة أمينة محمد التي بقيت مغمورة، بينما بدأت ابنة الأخ مشوارها الناجح من فرقة «رمسيس»، وصولاً إلى «فرقة يوسف وهبي».
لم تواجه عائلة زكي مراد اليهودية المشكلة نفسها. كان زكي مطرباً معروفاً، لكنّه انتمى إلى عصر ما قبل السينما التي منحت ابنته ليلى مراد كل شيء. نجمة شاشات الأربعينيات اعتزلت السينما قبل أن يبزغ نجم شقيقها الأصغر موريس المشهور باسم منير مراد الذي بدأ حياته «عامل كلاكيت»، ثم مساعد مخرج ملأ الدنيا بموسيقاه وألحانه التي وصلت في بعض التقديرات إلى ثلاثة آلاف لحن بين أغنية واستعراض ومقطوعات شهيرة رقصت على وقعها نعيمة عاكف وسامية جمال وغيرهما. من المدهش أن نعرف أنّه لم يقدم لشقيقته ليلى سوى لحن وحيد مغمور هو «يا طبيب القلب».
يمكن النظر من الزاوية نفسها إلى عائلة آرتين الأرمنية الشهيرة التي قدمت إلى السينما المصرية الثلاثي العذب: فيروز الصغيرة (بيروز)، وشقيقتها الأصغر نيللي، وابنة خالتهما لبلبة (نيوشاكا كوبليان). الثلاثي الذي بدأ صغيراً لم يجتمع فنياً إلا في حالات شديدة الندرة، أبرزها فيلم «الحرمان» (1952) لعاطف سالم الذي ضم الشقيقتين فيروز ونيللي. اعتزلت فيروز سريعاً، وشقت نيللي طريقها إلى الرومانسية ثم الاستعراض، بينما اتجهت لبلبة إلى الكوميديا.
لاستيضاح الفارق بين النماذج السابقة والعائلات المصرية التقليدية، يمكن الرجوع إلى (شائعة) عدم رضى المطرب والموسيقي والممثل محمد فوزي عن عمل شقيقته هدى سلطان في التمثيل. نفى الشقيقان ـــ ابنا محافظة الغربية ـــ هذه الشائعة مراراً. لكن التاريخ يقول إنّهما لم يتعاونا سينمائياً قط، إلا في حالة واحدة أنتج فيها فوزي لشقيقته فيلم «فتوات الحسينية» (1960) لنيازي مصطفى. أما على مستوى الغناء، فقد لحن عدداً من أغنياتها مثل «يا ضاربين الودع» و«ما اعرفش» و«يا حلاوة الورد». يلاحظ هنا أنها ليست من أكثر أغانيها شهرة، وهو أمر غير اعتيادي لفوزي الذي قدم لمطربي مصر أفضل أغانيهم. مفارقة أخرى هنا تخص هدى سلطان، إذ إن ابنتها مها من زوجها فريد شوقي، لم تعمل في التمثيل. كذلك اكتفت ابنتها الأخرى منه، ناهد، بالإنتاج السينمائي، أما التي عملت في التمثيل فكانت رانيا فريد شوقي، ابنته من سهير الترك.
لا يمكن قطعاً نسيان الأختين غير الشقيقتين سعاد حسني ونجاة الصغيرة. نحن هنا أمام حالة أخرى نموذجية؛ فالأب فلسطيني ـــ سوري هو حسني البابا، والعائلة تضم 16 أخاً وأختاً من أمهات مختلفة، وطوال المشوار الفني الطويل والمميز للأختين، لم تعملا معاً قط، وسطرتا تاريخاً بالغ التمايز والاختلاف. شخصيتان فنيتان متباعدتان، يصعب معرفة قرابتهما بمجرد الملاحظة، ربما لم يجمع بينهما سوى تاريخ التوقف الإجباري، بالموت أو بابتعاد الأضواء. عائلات ـــ أو أفراد تصادفت قرابتهم ـــ صنعت مجدها بالكدّ في طرق مختلفة، كان التوريث آنذاك شيئاً مستغرباً وغير وارد. أما الآن فتصدق المقولة: الفن ـــ وأهله أيضاً ـــ مرآة المجتمع.