دمشق | تداعيات الانتفاضة، والأزمة السياسية والأحداث الأمنية المستمرّة أثرت سلباً في مجمل المشاريع الفنية في المحافظات السورية، كما هي الحال مع فيلم «الشراع والعاصفة» للمخرج غسان شميط. تعثر التصوير مراراً، فـ «مشاهد كثيرة صوِّرت في منطقة الصليبة القديمة الواقعة في اللاذقية، لكنّ الأحداث التي شهدتها المدينة تسبّبت في تأجيل التصوير» يقول غسان شميط لـ «الأخبار».
أيضاً، تعرضت مواقع التصوير والديكورات التي جرى بناؤها على شاطئ اللاذقية لعاصفة حقيقية دمّرت كل شيء، ما تطلب إعادة بنائها مجدداً، لكن الشريط أبصر النور بعد عام ونصف عام من الانتظار، وقُدِّم أخيراً في عرض خاص للصحافيين في «صالة كندي ـــــ دمر» كإعلان عن إنجاز أول الأفلام الخمسة التي كان مقرراً أن تحدث نقلة نوعية في حجم إنتاج «المؤسسة العامة للسينما»، وتعرض في «مهرجان دمشق السينمائي» الذي أُلغي بدوره.
أعد السيناريو شميط نفسه مع وفيق يوسف عن رواية بالعنوان نفسه للأديب الكبير حنا مينة. تُعدّ الرواية التي صدرت مطلع الستينيات، وثيقة درامية تاريخية اجتماعية، أغرت العديد من المخرجين لتحويلها إلى عمل سينمائي. يرصد الكتاب التحولات التي كان يعيشها الساحل السوري أثناء الحرب العالمية الثانية والتناقضات التي تعصف به. بدورها، لم تبتعد بنية الفيلم الدرامية عن خطوط الرواية، وإن أهملت الكثير من تفاصيلها وأحداثها وشخصياتها، لصالح شخصية الطروسي (أدّى الدور جهاد سعد). هذا الأخير بطل شعبي تحوّل إلى صاحب مقهى بعد غرق مركبه، وتولّى الدفاع عن حقوق البحارة وعمال الميناء من استغلال فئة مرتبطة بالمستعمر الفرنسي، كمالك الميناء أبو رشيد (حسام عيد)، والوكيل الظالم (أندريه سكاف)، ومدير المخفر (زهير رمضان). ركّز الشريط على الجوانب العاطفية في شخصية الطروسي، عندما قدم مشاهد مكررة عن علاقته بعشيقته أم حسن (رندة مرعشلي) التي يتزوجها لاحقاً، كإعلان مباشر عن تغيير في المجتمع، لكنّ ذلك جاء على حساب شخصيات ومشاهد الرواية الأبرز، التي تبين واقع الساحل والصراعات الوشيكة بعد نهاية الحرب العالمية، وخروج المستعمر. استبعد شميط من السيناريو مشاهد كثيرة تضمنتها الرواية، تلخّص الوعي السياسي والإرهاصات الحاصلة في المجتمع السوري بسبب تداعيات الحرب، وبروز قوة عسكرية وسياسية دولية، على حساب أخرى كانت مسيطرة على العالم. بدلاً من ذلك، قدّم مشاهد كوميدية مكررة، لعب بطولتها أبو محمد (زهير عبد الكريم) الذي حاول يائساً جمع رفاقه سراً، بعيداً عن أجهزة الأمن والعسكر، للاستماع إلى محطة إذاعية، تبشرهم بقدوم أبو علي (هتلر) وجيشه للقضاء على المحتل الفرنسي. يمثّل مشهد العاصفة مفصلاً رئيساً يحدث انقلاباً جذرياً في مصائر الشخصيات، ويبشر بالخلاص والانتصار والتغيير، عندما يتغلب الطروسي على قوة الطبيعة، وينقذ الريس سليم الرحموني (ماهر صليبي) من الموت. فضل شميط إنهاء فيلمه بهذا المشهد من دون رصد مصائر أبطاله، بعكس الرواية التي خصّص مينة الجزء الأكبر منها لرسم صورة جديدة عن شعب حلم بالتغيير والحرية، وقدّم التضحيات لكسر قيوده ونيل حريته «فضلت تقديم نهاية مفتوحة، ليرسم المشاهد النهايات التي يريدها». لن يتاح للجمهور السوري مشاهدة العمل فـ «الظروف الصعبة التي نعيشها غير مشجّعة لعرضه تجارياً». ولدى سؤال شميط عن وجود دعوات للمشاركة في المهرجانات العربية أو العالمية، كشف عن وجود مقاطعة ثقافية ضمنية للأعمال السورية.



المشهد الأهم

بلغت ميزانية «الشراع والعاصفة» حوالى 800 ألف دولار، وهي تُعدّ واحدة من أضخم ميزانيات «المؤسسة العامة للسينما» التي تُخصّص لفيلم واحد. يقول غسان شميط: «كان يُفترض أن يتعاون منتج خاص معنا ويوفّر جزءاً من ميزانية العمل، لكنّه انسحب في اللحظات الأخيرة، مما دفع وزارة الثقافة إلى تغطية كافة النفقات». خصص حوالى 180 ألف دولار من ميزانية الشريط لمشهد العاصفة، الذي امتد قرابة 14 دقيقة جاءت في نهاية العمل. صوِّرت مشاهد العاصفة في أوكرانيا بأحدث التقنيات السينمائية، وفي الأستوديو نفسه الذي صوِّرت فيه مشاهد
من فيلم «تايتانيك» للمخرج جايمس كاميرون الذي فاز به بجائزة «أوسكار» عام 1997.