القاهرة | لا جديد. مؤتمر آخر اختُتم أخيراً في قاعة المؤتمرات في «المجلس الأعلى للثقافة» في القاهرة. وكالعادة، انتهى ببيان، تماماً كمؤتمرات الشجب والإدانة التي تعقدها «جامعة الدولة العربية». أبحاث ومؤتمرات لإبراء الذمة فقط، بينما يحتل معسكر الإسلام السياسي الشوارع، والمساجد ودور العبادة ناشراً أفكاره التي تحرم الفن والأدب والحرية. وفي الوقت الذي كان فيه المثقفون يتحدثون في القاعة المكيّفة خلال مؤتمر «حقوق وحريات الفكر والإبداع...
تحديات الثورة والمستقبل»، كان بعض الدعاة السلفيين يدعون إلى إحراق مكتبة «بوكس آند بينز» في مدينة المنصورة (شمال القاهرة)، متّهمين أصحابها ومن يتردد عليها بالكفر والزندقة، باعتبارها مؤسسة تدعو إلى «الكفر والإلحاد» و«تقدم الموسيقى وتنشر الليبرالية والعلمانية». في الوقت نفسه، نفت وزارة الداخلية علاقة جماعات الإسلام السياسي بقتل شاب في مدينة السويس كان يسير بصحبة خطيبته. وتقضي «محكمة جنح حلوان» بحبس المخرج أشرف نبيل ومساعده أحمد حلمي عبد الصمد لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ بسبب قيامهما بتصوير فيلم. أخبار كثيرة تدعو إلى اليأس، ورد فعل النخبة «القديمة» يدعو إلى اليأس أيضاً، يضاف إليه ما أعلنه الصحافي حلمي النمنم في المؤتمر عن دعوى حسبة جديدة بحقّ الكاتبة نوال السعداوي.
الشاعر شعبان يوسف تحدث عن قضية الشيخ خالد محمد خالد وكتابه «من هنا نبدأ» الذي أثار ضجة كبيرة وقت صدوره عام 1950، وصودر، وحوكم صاحبه، لكنّ القاضي برأه وقتها. يوسف طالب بإعادة نشر الكتاب مرة أخرى، لكن ما لا يعرفه أنّ أسرة الكاتب الراحل تعارض الناشر، وأن مؤسسات عديدة حاولت ذلك، لكنّ الأسرة رفضت بحجّة أنّ الكتاب يتضمن أفكاراً تراجع عنها صاحبها!
التشكيلي عز الدين نجيب دعا إلى محو أمية الشعب من أجل تحصين الثورة، وتحدث المخرج كامل القليوبي عن «مائة عام من الرقابة على السينما» داعياً إلى إلغاء جهاز الرقابة نهائياً بعدما أصبح منتهي الصلاحية بعد «ثورة 25 يناير». هكذا تعددت الأبحاث التي تحكي عن تجارب شخصية، لكن ربما كان الأهم أنّ المثقف لم يعد يتحدث إلى نفسه أو زميله. دخل إلى قاعات المجلس جمهور جديد، لا يريد أن يستمع بل أن يفسد ما يقال. جمهور جماعة الإخوان المسلمين الذي كان ينبري بعد قراءة كل ورقة مهاجماً ومندداً، هاجم المفكّر الراحل نصر أبوزيد مثلما فعل رئيس الجمهورية محمد مرسي قبل أيام من انتخابه. هاجموا الفن والحرية حتى كادت الندوات الثلاث في المؤتمر أن تفسد، بل انسحب فعلاً المحامي أحمد سيف الإسلام الذي تعرّض من المثقفين لما تعرّضوا هم له من الإخوان. سيف الإسلام اتهم المثقفين أنفسهم بالفاشية وأنّ انعزالهم في البرج العاجي كان سبباً في اكتساح تيارات الإسلام السياسي للانتخابات. عندما هتف الحضور «يسقط حكم المرشد»، انسحب سيف الإسلام من دون أن ينتظر نقاشاً حول ورقته.
هكذا إذن تفكر «النخبة» التي تكرر أخطاءها في ثقافة المهرجانات، ولا تستطيع أن تفكر خارج الصندوق. المثقف المصري يشبه الآن أهل الكهف، بات مرتبكاً بعدما خرج من كهف السلطة التي نشأ وتربى في حضنها. مساحات الحركة والحرية التي حصل عليها كانت بإذن منها. لم تقمعه لأنّها لم تجد حاجة إلى قمعه من أجلها. أربكته الثورة لأنّها فضّت الاشتباك بين المثقفين والسلطة، أصبح المثقف عارياً، وحيداً يواجه قدره لا كما كان يحدث قبلاً حين وجد نفسه أمام سلطة فاسدة تدعي علمانيتها ودفاعها عن المثقف. حركة المثقف الآن دليل على دخوله معركة خاسرة قبل خوضها، لأنه لا يريد أن يدفع ثمن أي معركة. سيبكي. لا يقدم على «الفعل» بل يكتفي برد الفعل. وسيظلّ يبحث عن أب بديل لما فقده. هل يمكن للمثقف أن يخرج من الكهف ويخوض معركته بعيداً عن الغرف المغلقة المكيّفة ويفكر لمرة واحدة خارج الصندوق؟



أمل بالجيل الجديد

المؤتمر الذي نظمته «اللجنة الوطنية لحقوق وحريات الإبداع» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للثقافة»، أكدت توصياته الختامية على الاهتمام بضم جماعات من الشباب إلى اللجنة المذكورة بسبب «قدرتهم على التواصل مع الأجيال الجديدة». ودعت إلى مشاركة المثقفين والمبدعين في انتخابات مجلس الشعب، وإلى إنشاء قناة تلفزيونية ثقافية مستقلة، وإلى التضامن مع الصحافيين في قضيتهم مع «مجلس الشورى»، ودعوة الرئيس المصري محمد مرسي «للحفاظ على الآثار». وأنهت اللجنة توصياتها بالدعوة إلى «تظاهرة كبرى في أحد الميادين الأساسية لإعلان موقف قومي ضد الاعتداء على الحريات».