حاوره: عثمان تزغارت
في الذكرى الأربعين لاغتيال الشهيد غسان كنفاني، يتذكّر المناضل الأممي كارلوس صاحب «عائد الى حيفا»، الذي كان أول من التقاه من بين رموز المقاومة الفلسطينية عند وصوله إلى بيروت، مطلع السبعينيات، مطروداً من قبل الرفاق السوفيات من «جامعة لومومبا» في موسكو. ويكشف هنا أنّ التحاقه بصفوف المقاومة الفلسطينية في الأردن قبل «أيلول الأسود» جاء بتوصية مكتوبة من غسان كنفاني...

* متى تعرّفت الى الشهيد غسان كنفاني؟
ـكان ذلك في تموز (يوليو) 1970. وصلت إلى بيروت من موسكو إثر طردي من «جامعة لومومبا» في طريقي للالتحاق بصفوف المقاومة الفلسطينية في الأردن. مكثتُ 3 أيام في بيروت. وكنتُ بحاجة لمن يعطيني توصية تسهّل علي الاتصال بالمقاومة. اقترح عليَّ بعض الرفاق اللبنانيين أن ألتقي «صحافياً سورياً شاباً» في مجلة «الهدف»، لم يكن سوى الشهيد غسان كنفاني! وبالفعل، أعطاني رسالة توصية بخط يده، وطلب مني الذهاب للقاء الشهيد أبو علي مصطفى في عمّان. وهكذا بدأ ارتباطي بـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»...

ـكيف كان انطباعك عن غسان كنفاني خلال اللقاء الأول؟
ـ لقد كان مثقّفاً مميزاً ولامعاً. منذ الانطباع الأول، بدا لي شخصاً متحفظاً وبارداً في تعاملاته اليومية. كان يحتفظ بكل حرارته وسحره لزائراته الأجنبيات الكثيرات اللواتي كن بدورهن يعاملنه بالقدر ذاته من الحرارة والإعجاب! ميزة كنفاني أنه كان رجل قناعة وفكر، قبل أن يكون رجل حرب أو ميدان. كان على النقيض تماماً من أغلبية من يمارسون السياسة، يزدري الألقاب والمناصب والمسؤوليات. لم يكن يحتاج إلى أيّ لقب، فقد كان يلمع ببريقه الخاص. وكان ذلك أمراً استثنائياً ونادراً.

أيّ دور لعبه غسان كنفاني في صفوف «الجبهة الشعبية» والمقاومة الفلسطينية ككل، إلى جانب منصبه الرسمي كرئيس تحرير لـ «الهدف»؟
كان أفضل ناطق باسم المقاومة الفلسطينية بأكملها. لم يكن يضاهيه أحد. لم يقبل أن ينضم إلى «الجبهة الشعبية» سوى قبل فترة وجيزة من اغتياله. كان ذلك بعد مؤتمر عام 1972 الذي انتُخب خلاله عضواً في «المكتب السياسي». ولم يكن تحفظه ضرباً من «الدَّلال» أو التعالي الثقافي. كان ينبع من رفضه المبدئي للطابع القبلي الذي كان يعيبه على كافة فصائل المقاومة الفلسطينية، بما فيها الجبهة الشعبية.

ـماذا تعرف عن ملابسات اغتياله من قبل الموساد؟
ـ أذكر أنني في صيف 1971، أبلغت الجبهة الشعبية بتحركات مريبة في بيروت لرجال شعبة العمليات في «سي ـ آي ـ إيه»، وتوجست أنّ هناك عملاً إجرامياً يجري التخطيط له. ما أعرفه أنّ الموساد لم يغتل غسان كنفاني بشكل مباشر، بل تم ذلك عبر الأجهزة (الاستخبارية) الأردنية واللبنانية التي استعانت بدورها في تدبير العملية بأفراد من «الكتائب».

ـ كان غسان كنفاني أديباً مرهف الحساسية ومقاتلا ثورياً راديكالياً، مثله في ذلك مثل صديقك الجزائري محمد بوديا الذي اغتاله الموساد في باريس، بعد عملية «أيلول الأسود» في أولمبياد ميونيخ. كيف تنظر إلى هؤلاء «الشعراء ـ الثوار»؟ ألا يوجد تناقض بين أن يكون المرء رومانسياً ذا حس مرهف في حياته الشخصية، ومقاتلاً يعتمد أساليب العنف الأكثر فتكاً في نشاطه الثوري؟
ـلقد كان محمد بوديا مناضلاً، بأتمّ معنى الكلمة، ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ثم ضد الصهيونية، لكنني لا أوافقك القول بأنه كان «صديقي». أنا لم أعرفه حقاً. كل ما أذكره أنني صادفته مرتين في بيت أبو هاني (وديع حداد) في بيروت. ولم أتبادل معه سوى عبارة مجاملة واحدة، لكنّي أستطيع القول إنّه، بخلاف غسان كنفاني الذي كان متأثراً كثيراً على المستوى الجسدي، كونه مصاباً بالسكري، كان محمد بوديا رجل ميدان ومقاتلاً حقيقياً. كان من قدامى مجاهدي «جبهة التحرير» الجزائرية، وواصل المعركة المسلحة بعد ذلك ضد الصهيونية، بكل الوسائل الثورية التي فرضتها متطلبات هذه الحرب، إلى أن سقط شهيداً وسلاحه في يده.
أعتقد أن الشاعر يجب أن يكون شديد الحساسية تجاه آلام الغير. وهذا هو الشرط اللازم أيضاً ليكون المرء مناضلاً ثورياً. ما يجب استغرابه ليس وجود «شعراء ـ ثوار»، بل وجود كل هذا القدر من شعراء البلاط الذين يعملون على تكريس الأمر الواقع. على الشعر أن يكون متمرداً، ومِعوَلاً لهدم الأوضاع القائمة والانقلاب عليها.