نظرة بانورامية على برنامج «مهرجانات بيت الدين» هذه السنة تجعلنا نخلص إلى أنّ ثاني أعرق المهرجانات اللبنانية قام بواجبه على أكمل وجه تجاه جمهوره. يطال هذا التقويم معظم الأنماط الموسيقية، أو الفنية عموماً، من العرض الأوبرالي إلى موسيقى الجاز والبوب ـ روك (لولا إلغاء فرقة «كرانبريز» جولتها) والموسيقى الشرقية والعروض الراقصة. بقيت من برنامج الدورة الحالية محطتان: الختام مسك، وما قبله أيضاً. إذاً، قبل أوبرا La Bohème (26/7) المنتظرة، لدى جمهور الجاز موعدٌ لا يجوز تفويته؛ فالأمسية المرتقبة تحييها فرقة كبيرة بقيمتها الفنية وبعديدها، بالتالي يمكن وضعها في خانة المكفول.
Dizzy Gillespie All-Star Big Band الليلة في «بيت الدين» ـ بالاشتراك مع المغنية اللبنانية رندا غصوب ــ بعد سبع سنوات على أمسيتيْها في «بعلبك». الطريقة المثلى لمقاربة هذه الفرقة هي تفكيك اسمها وشرحه. تحمل المجموعة اسم رجلٍ ترك في موسيقى الجاز إرثاً ضخماً على ثلاثة مستويات. الأول هو العزف، لا يصلنا اليوم إلا عبر التسجيلات التي تركها ديزي غيلسبي (1917 ــــ 1993) قبل رحيله، بالتالي لا ضرورة لتناولها في الكلام عن الأمسية المذكورة. والثاني هو التأليف، أي العنصر الأهم في إرث غيلسبي الذي لا يموت ما دام هناك مَن يؤدّيه. بالتالي، إن مؤلفات هذا العملاق هي السبب الأساسي في تأسيس فرقة تحمل اسمه، والمحور الأول في عملها. والثالث هو رصد المواهب، ويتمثل في قدرة فنية على التقويم تمتّع بها ديزي، واختار استناداً إليها نخبة من الموسيقيين الذين عملوا معه لسنوات. هؤلاء لعبوا الدور نفسه بعد رحيل معلّمهم بهدف تغذية مجموعتهم بموسيقيين بشكل دائم، إذ يتطلب حجم الفرقة التي أسسوها عام 1998 تأمين أعضاء أساسية أو صديقة، تلبي الحاجة في الحفلات. ولتوضيح الصورة العامة والحالية، نشير إلى أن أصدقاء غيلسبي تابعوا نشاطهم بعد رحيله، حيث أسسوا فرقة مهمتها الحفاظ على إرثه من خلال نواة أساسية والاستعانة بمواهب كثيرة من هنا وهناك. هذا المفهوم في تركيب الفرق هو عرضةٌ للسلبيات والإيجابيات. السلبيات تكمن في وفاة بعض الأعضاء أو في «هجرة» المواهب الشابة بعد تكوين سمعة حسنة مع الفرقة. أما الإيجابية الأساسية فهي التطعيم الدائم للفرقة بمواهب يافعة، أو استضافة رموز مكرّسة في بعض الأحيان. وأبرز مثال على هذه المسألة في الحالة المطروحة أمامنا اليوم هو وفاة الخبير العتيق جايمس مودي أخيراً. كذلك بالنسبة إلى روي هارغروف، عازف الترومبت الذي شُبِّه بمايلز دايفس الذي أتى مع الفرقة إلى مدينة الشمس بينما يغيب الليلة بعد ارتفاع أسهمه خلال هذه الفترة.
إذاً، هذا الكلام كلّه يشرح فقط القسم الأول من اسم الفرقة. أما القسم الثاني، أي All-Star، فيدل على مسألة أساسية في آلية تركيب المجموعة. إذ يمكن التأكيد أن لا مجال لموسيقي عادي لأنْ يصبح عضواً ثابتاً فيها أو يدعى لمشاركة استثنائية في أمسية أو تسجيل؛ فالإبقاء على المستوى الفني العالي هو أولوية. أما الشق الأخير من اسم الفرقة، ونقصد Big Band، فيختصر بعبارتيْن: التوزيع، أو الإعداد الموسيقي والطاقة، أو النبرة الصوتية العامة. في هذا النوع من فرق الجاز، لا مفرّ من التوزيع المكتوب القادر وحده على ضبط عدد كبير من الموسيقيين، لتأمين هيكلية المقطوعة والفسحات التي تسبق وتلي العزف المرتجل الذي يتولاه ثلاثة أو أربعة (أحياناً أكثر) موسيقيين من الذين يشكلون واجهة الفرقة الأمامية. أما في ما خص الطاقة والنبرة العامة، فهي أجمل ما في فرق الجاز الكبيرة: النوتات المتراشقة التي تخرج من مجموعة كبيرة من آلات النفخ تصبح إدماناً لدى بعض جمهور الجاز.
ممن تتألف واجهة الفرقة في أمسية الليلة؟ نكتشف ذلك معاً بعد بضع ساعات حفاظاً على عنصر المفاجأة. أما البرنامج فيتألف بمعظمه من ريبرتوار غيلسبي طبعاً. لكن، إن لم تكن «ليلة في تونس» مُدرَجة على اللائحة الأساسية، تصبح المطالبة الشرسة بها واجباً على غير المستعْجلين من الجمهور!



Dizzy Gillespie All-Star Big Band م 9:00 مساء اليوم ـــ «مهرجانات بيت الدين» ـــ للاستعلام: 01/999666 ـــ
www.beiteddine.org