في مجموعة «لسببٍ لا يعرفه» (الانتشار العربي)، وهي الثانية له بعد باكورته «أسمر كرغيف» (2004)، يكتب عبد الرحمن الشهري قصائد قصيرة بأقل ما يمكن من الحِيَل البلاغية والألاعيب الأسلوبية. هناك مذاق حكائي في أغلب القصائد، ولكن الحكاية مؤمّنة إلى حد ما ضد الاسترسال والثرثرة. الفكرة الواحدة تجعل الحكاية متناسبة مع شعريتها المستهدفة. الشعرية مدينةٌ للزاوية التي ينظر منها الشاعر إلى فكرته، أو لطريقة عرضها على القارئ، بينما ضمير الغائب الحاضر في جميع القصائد يخفف من العنف البديهي والعاطفة الزائدة اللذين يواكبان ضمير المتكلم عادةً. في القصيدة الأولى التي تحمل عنوان «قولون»، يضع الشاعر كل هذه التوصيفات في عهدة القارئ: «بعد كيَّةٍ سريعة في رقبته/ ربَّت أبوه على كتف أمه وقال/ سينجو بإذن الله/ ربما لأنه نظر في عينيه المشعتين بالحياة/ ولم ينظر إلى أحشائه/ حيث سيهيج قولونه/
في قادم أيامه/ ويكون فريسةً سهلة للهموم والآلام/ فضلاً عن حقيبة أرقه التي سيحملها معه/ ويتنقل بها من سريرٍ إلى آخر».
القصيدة ـــ مثل أخواتها في المجموعة ـــ مكتوبة بلغة يومية لا يحمّلها الشاعر بالصور والاستعارات وهي ذاهبة إلى الخاتمة، ولكن هذه الممارسة لا تعني أن القصائد نفسها تمتلك المقدار ذاته من الإدهاش. هناك تفاوت طبيعي بين قصيدة قائمة على فكرة جذابة أو مشهد مقنع كما هي الحال في قصيدة «منسيّ»: «ليس له حكاية يرويها/ ولا سيرة يُلهم بها الآخرين/ لا يملك سوى كتلة من اللحم/ قد تستوقف نحاتاً/ وقد لا تثير فيه سوى الحسرة/ على مصير الجسد الممتلئ/ والعاجز ربما/ عن القيام بأي ردة فعل/ حتى ولو كانت إيماءةً بسيطة/ بإحدى العينين»، وقصيدة أخرى لا تساعدها فكرتها على إدهاش القارئ مثل «نسيان: «لم ينسَ يوماً/ موعداً ضربه لأحد أصدقائه/ ولا عهداً قطعه على نفسه/ في حين أنه ينسى دائماً/ أن الشعر الأبيض حدّق (اقرأ: أحدقَ) برأسه/ وأنه يرى في المرآة شخصاً مغايراً/ يطلّ من الذاكرة/ لا من المرآة».
المجموعة كلها محكومة بسردياتٍ مماثلة تستثمر شذراتٍ من السيرة والأفكار الشخصية. لا نجد قصائد ساذجة، ولكننا لا نجد قصائد عالية الجودة أيضاً، بينما التشابه المتتالي يصنع ضجراً يتراكم أمام القارئ، ويضع القصائد في منطقة وسطى لا بد من أن تغادرها سريعاً كي تحظى بالحيوية المطلوبة.