منذ أيام، تشهد الطبقة العاشرة من مُجمّع طرابلس السكني (شمال لبنان) الكائن في شارع الجميزات، ورشة لافتة. تجهيز مكاتب، تركيب معدات للبث الإذاعي، زحمة موظفين. أما ما جذب الانتباه أكثر من سواه، فهو أنّ القائمين على العمل ليسوا إلا مشايخ هم من أبرز وجوه التيّار السلفي في طرابلس والشمال، وقد أعدّوا العدّة لإطلاق محطة إذاعية خاصة. أول من أمس الخميس، دخلت إذاعة «طريق الارتقاء» على الأثير اللبناني خلال احتفال أقيم في فندق «كواليتي ـــ إن» في طرابلس، معلنةً بدء إرسالها رسمياً بوصفها إذاعة من الفئة الثانية «تبث على مدار اليوم» (98.5 أف. أم)، وفق ما أوضح مسؤول العلاقات العامة في الإذاعة الشيخ نبيل رحيم.
الإذاعة الوليدة ليست الأولى التي تحمل صبغة إسلامية، إذ سبقتها على فترات زمنية متقطعة إذاعات من هذا النمط، بعضها أُقفل، وبعضها ما زال عاملاً يتمتع بجمهوره مثل إذاعة «القرآن الكريم» التابعة لدار الفتوى، وإذاعة «الفجر» المحسوبة على الجماعة الإسلامية، وإذاعة «صوت الحق» التي تشرف عليها «حركة التوحيد الإسلامي»، وإذاعة «صوت المشاريع» التي تنضوي تحت «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش)، وإذاعة «الكلم الطيب» التي تتبع جمعية «الهداية» التي يرأسها الشيخ داعي الإسلام الشهال.
غير أنه باستثناء إذاعة «القرآن الكريم» التابعة لجهة رسمية هي دار الفتوى، تتبع بقية الإذاعات جهة إسلامية معينة، ما جعلها تبدو كأنّها نموذج مصغر عن الفسيفساء المتنوعة الموجودة على الساحة الإسلامية في لبنان.
إذاعة «طريق الارتقاء» لا تبدو بعيدة عن هذا التصنيف. توجّهها السلفي يترجم نفسه بوضوح من خلال تشكيلة مجلس إدارتها الذي يضم وجوهاً بارزة من ممثلي التيار السلفي في لبنان. من طرابلس هناك المشايخ خالد زعرور رئيساً، والأعضاء سالم الرافعي، بلال بارودي، نبيل رحيم، زكريا المصري، زيد بكار زكريا ونزيه كمال الدين، ومن بيروت إيهاب البنا، ومن صيدا أحمد عمورة، ومن البقاع عدنان أمامة.
لكن اللافت في مجلس إدارة الإذاعة ليس وجود أحمد طبيخ المقرب من الجماعة الإسلامية في عضويته، بل وجود منسق العلاقات الإسلامية في تيار «العزم» عبد الرزاق قرحاني، المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي، وسامر فتفت المحسوب على تيار «المستقبل»، ما طرح سؤالاً عن الهدف الفعلي لهذه الإذاعة التي استطاعت جمع كل هذه المروحة الواسعة والمتناقضة من ممثلي القوى السياسية.
إضافة إلى هذا التساؤل، برز آخر يتعلّق بتمويل الإذاعة التي بدأت عملها بـ15 موظفاً. لكنّ «الأخبار» علمت أنّ عشرة متمولين لبنانيين يشكلون واجهة دعم الإذاعة التي تتلقى الجزء الأكبر من تمويلها من «مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني» القطرية غير الحكومية.
يوضح الشيخ نبيل رحيم أنّ إذاعة «طريق الارتقاء» التي بدأت البثّ التجريبي منذ فترة «تجهز ملفها الذي سيكون كاملاً في غضون فترة وجيزة قبل توجّهها به إلى وزارة الإعلام»، معلناً أنّها «ستلتزم كل الشروط القانونية المطلوبة».
أمّا هويتها ونوعية برامجها، فيشير رحيم إلى أنها «ثقافية ومتنوّعة ستقدم برامج دينية واجتماعية واقتصادية، وتهدف إلى جمع الناس على قواسم مشتركة من أجل إدارة المختلف عليه، والالتقاء مع الآخر والحوار معه»، ويستطرد بأنّ «80 في المئة من برامجها سيغلب عليه الطابع الحواري الهادئ مع الآخر، وأن ضيوف الإذاعة سيتنوّعون بين المسيحي والعلماني إلى جانب الإسلامي». لا ينكر رحيم أنّ الإذاعة «تهدف إلى تحسين صورة الإسلاميين المشوهة جداً، إما بسبب عقلية البعض منهم وتصرفاتهم، أو لأنّ خصومهم ضخّموا أخطاءهم»، مشيراً إلى «أنّنا نهدف إلى إعطاء صورة واضحة وحقيقية عن الإسلام من دون إفراط أو تفريط، وتقديم خط وسطي يمثل الإسلام الحقيقي». لكن كيف ستتعاطى الإذاعة مع القضايا الساخنة سياسياً وطائفياً ومذهبياً، وأين ستقف من الاصطفاف الحاصل؟ وهل تهيّئ نفسها لتكون داعمة لأحد الأطراف في الانتخابات النيابية المقبلة؟ ينفي رحيم ذلك، مؤكّداً أنّ «هناك توافقاً بين أعضاء مجلس إدارة الإذاعة على إبعادها عن الاصطفاف السياسي القائم في البلاد، وحصر هدفها الرئيسي بطرح المشاكل التي يعانيها المجتمع اللبناني وإيجاد حلول لها».

«طريق الارتقاء»: 98.5 أف. أم