كانت لدينا صالات سينمائية في اليمن، (لا أمزح)، ومختلطة أيضاً يُسمح للنساء والفتيات بدخولها، تعرض أفلاماً أجنبية حديثة من دون تدخّل مقصّ الرقيب، لكن مع الوقت وتحالف المخلوع علي عبد الله صالح مع القوى الدينية السلفية مع بداية التسعينيات، تدهورت حال تلك الصالات كما تدهور كل شيء في حياة اليمنيين. تراجعت تلك الصالات ومُنعت النساء من دخولها، وتدخّل مقص الرقيب بقوة، حتى إنّ بعض الأفلام صارت أفلاماً قصيرة لا تتجاوز مدتها نصف ساعة بسبب كثرة الحذف. ما دفع مالكي تلك الصالات إلى استخدام حيلة شيطانية تتمثل في دمج فيلمين أجنبيين في شريط واحد عن طريق إلصاق نهاية الأول ببداية الثاني ليكوّنا معاً فيلماً يمتد على مساحة زمنية معقولة. كنا نخرج بعد العرض ونحن غارقون في حيرتنا ومتسائلين: أين اختفى الأبطال الذين افتتحوا الفيلم وساروا فيه حتى منتصفه؟ من أين هبطت شخصيات النصف الأخير منه؟ لم نكن وقتها مدركين، بسبب صغر سنّنا أنّ ذاك الرقيب كان يخاف على أخلاقنا من التلف!
استعدت هذه التفاصيل من ذاكرتي بعدما انتهيت قبل يومين من مشاهدة فيلم Bel Ami المقتبس عن رواية للفرنسي غي دو موباسان على قرص مدمج كنت قد اشتريته من أحد المحال المتخصصة في استيراد الأفلام الأجنبية الحديثة. أعمال كاملة لم يمسسها الرقيب بسوء تعوّضنا عن اندثار دور العرض في صنعاء. وكنت قد حضرت الفيلم نفسه في إحدى الصالات البيروتية عند زيارتي لبنان. ومقارنةً بالنسخة المدمجة التي بحوزتي الآن، اكتشفت حجم التنكيل الذي فعله مقصّ الرقيب اللبناني في الفيلم الذي يعتمد على الجنس كدعامة أساسية باعتباره أداة وصول يستخدمها بطل العمل لصعود السلم الاجتماعي. ظهر الفيلم بلا جنس وبلا سياق منطقي، بل اكتفى بالإيحاء لنا بأنّه كان هناك جنس من خلال الحفاظ على المشاهد التي تنتهي فيها بطلات العمل من ارتداء ملابسهن. يبدو أن الرقيب اللبناني أيضاً يخاف على أخلاق اللبنانيين من التلف كما كان يفعل قبله الرقيب اليمني!
والحال هذه، هل سيأتي يوم يجد فيه المشاهد اللبناني نفسه في حالة مشابهة للتي عاشها المشاهد اليمني في الماضي القريب عندما كان يحضر وهو لا يدري فيلمين مدمجين في واحد؟