ثمة أشخاص يستفزهم العنف. يقض مضاجعهم ويجعلهم ينسحبون على مهل، لينكفئوا على ذواتهم وهم يراقبون محيطهم. لا يتوقفون عن الحلم مهما أرخى القلق بظلاله على تفاصيل حياتهم. يظلون مسكونين بهاجس الإبداع. هكذا هي حال الروائية السورية الشابة لينا هويان الحسن (الصورة). البدوية الشقراء التي اعتكفت في منزلها بعيد اندلاع الانتفاضة السورية بقليل، قررت أن تجافي حقبة من زمن رديء، لكن من دون أن يجافيها الحزن والألم، ليس على وطنها ومسرح ذكرياتها فحسب؛ بل على مستقبل باتت تلمح دخاناً أسود ينبعث من كل زواياه. كل ذلك يجري من دون أن تتوقف عن كتابة فصول متلاحقة من روايتها الجديدة، إضافة إلى إشرافها على صفحة الكتب في جريدة «الثورة»، وكتابة بضع مقالات في صحف سورية أخرى. مع ذلك، هناك جرعة وجع مفرطة كانت تحوم حول صاحبة «سلطانات الرمل»، فتسرق منها ألقها وتحرمها فنجان قهوتها المعتاد في دمشق القديمة. لكن لينا تصرّ دائماً على أن تكون معادلاً موضوعياً لصحراء متماسكة عشقت سرابها، وبادية مقفرة استمدت منها روح رواياتها، فتحولت إلى مؤرخة حقيقية للبدو.
كانت السباقة إلى الغوص عميقاً في عوالم هؤلاء، من خلال ثلاث روايات هي «معشوقة الشمس»، و«بنات نعش»، و«سلطانات الرمل». مع تزايد أصوات الرصاص، أخذت لينا تعاني من كوابيس تنذر بالخطر وتبشر بموت محتم لا محال. كانت ترى شقيقها البكر ياسر مسجى بابتسامة هادئة لا تفارق وجهه وقد فارق الحياة. أرقتها تلك الصورة، وعرفت أن المصيبة ترسم معالمها في طريق تودي إليها. ظلت تمنّي النفس بأن تخطئ تنبؤاتها ويضل وحيها الطريق. لكن يبدو أن قلب المبدع دليله، إذ فجعت عائلة الروائية الشابة منذ أيام بخبر اختطاف ابنها البكر، وصار تلقفها للأخبار عبثياً، فالمصيبة تنهر الأخرى، من دون أن يصلها يقين يريح بالها. حتى احتكم الكل إلى قلب الأم التي لا يخيب حدسها، فأخبرتهم أن ابنها ميت، قبل أن يعثروا عليه وقد فارق الحياة تاركاً وراءه خمسة أطفال يشهدون على بلاد تخسر ريعانها يوماً بعد يوم.
لم يعد قلب سوريا قادراً على الخفقان بسرعة أكبر، وليس هناك مكان يتسع للعزاء. تغادر لينا هويان الحسن دمشق إلى قرية عبارة عن قبب طينية وصحراء تمنحها الحرية حيث تعمد جرحاً بحجم وطن وتبعث في رسالتها لـ«الأخبار» فتقول: «كما الحيوان الجريح، سأنزوي في كهف في عمق صحراء قصية، لألعق جرحي وأبكي وأداوي نفسي، لعلّي أطيب ولو قليلاً».