فقدت الصحافة العالمية الجادة أحد أبرز كتّابها منذ أيام بعد رحيل أليكسندر كوبيرن (1941 ـــ 2012) في المانيا بعد صراع عامين مع السرطان. الصحافي الجاد واليساري اللاذع الذي يعدّ أحد أبرز وجوه الصحافة اليسارية الأميركية في السبعينيات والثمانينات، اشتهر بمقارعته لكل ما هو سائد في السياسية الأميركية واسرائيل والصحافة المؤسساتية، عبر كثافة إنتاجه الكتابي منذ أن بدأ مع صحيفة «ذا فيليج فويس» النيويوركية، إلى كتابة عموده الشهير Beat The Devil في مجلة «ذا نيشين» ومروره على جرائد ومجلات أخرى مهمة كـ«وول ستريت جورنال» و«نيو ستيتسمن»، إلى جانب رئاسته تحرير المجلة اليسارية المهمة Counterpunch مع زميله جيفري سينت كلير الذي أعلن وفاته في المجلة.
ظروف نشأته لعبت دوراً في توجهه إلى الكتابة. والده كلود كان صحافياً وناشطاً شيوعياً، ذهب إلى اسبانيا ليغطي الحرب الأهلية هناك، إلى جانب كتابته للروايات. ولد اليكساندر في إسكتلندا ونشأ في ايرلندا. بعد دراسته الجامعية في أوكسفورد، عمل كصحافي في لندن، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1972. هناك، ذاع صيته بعدما بدأ الكتابة مع «ذي فيليج فويس» من عام 1973 حتى 1983 بعدما فصلته الصحيفة بسبب قبوله عشرة آلاف دولار منحة كتابة من «معهد الدراسات العربية». جاء هذا الطرد بعد انتقادات طالت توجهات كوبيرن السياسية ونقده اللاذع لإسرائيل، خصوصاً أن الكتاب الذي كان يعمل عليه تركّز على الاحتلال الإسرائيلي للبنان. بعدها، قبل عرضاً من مجلة The Nation، حيث بدأ كتابة عموده الشهير Beat The Devil الذي واصله لبقية حياته، بالإضافة إلى مقالاته في «نيو ستيتسمن» اليسارية البريطانية، وحتى مع «وول ستريت جورنال».
خلال مسيرته الصحافية، هاجم أليكسندر كوبيرن السياسة الأميركية في الداخل والخارج. كان مناهضاً شرساً لحروبها ومغامراتها الاستعمارية حول العالم، وانتقد احتلال أفغانستان والعراق ومحاكمة صدام التي وصفها بالمسرحية لا أكثر. ناقد لاذع لإسرائيل وسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، إلى حد اتهامه بمعاداة السامية. هذا المصطلح كان دوماً ينتقد استخدامه السياسي من قبل إسرائيل ومناصريها بكثافة في مقالاته، خصوصاً مع مشاركته تحرير كتاب «سياسة معاداة السامية» مع صديقه سينت كلير. بالإضافة إلى ذلك، حافظ على انتقاده للمؤسسات الصحافية الرسمية ومعاييرها الأخلاقية. أحد الفصول الشهيرة في حياة أليكسندر كوبيرن كان خلافه مع الصحافي الإنكليزي كريستوفر هيتشينز (1949ـــ2011)، زميله السابق في «ذا نيشين». بينما حافظ كوبيرن على خطه السياسي، انقلب هيتشينز على ماضيه اليساري ليصبح أحد أبرز كتاب اليمين الأميركي، ووضع قلمه في خدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية والإسلاموفوبيا.
كوبيرن كان أدبياً وصحافياً معاً، واسع الاطلاع، ما تدل عليه مقالاته وكتبه مثل «فساد الإمبراطورية» (1988) و«العصر الذهبي فينا» (1995). شعبيته جاءت من أسلوبه الرفيع في الكتابة. طيلة مسيرته، تميز بأسلوب جاد يحافظ على متعة القراءة. هنا يأتي الأسلوب مكملاً للمحتوى، بدلاً من أن يطغى أحدهما على الآخر. شجاعته في مقارعة السياسات المؤسساتية اليمينية أرفقها بدقة ملاحظة تخدم تهكمه اللاذع، وهو كل ما يحتاج إليه المرء ليقرأ قطعة من الصحافة السياسية والأدبية تجمع بين الجدية والإمتاع في آن.

لقد تم تعديل هذا النص عن نسخته الأصلية المنشورة بتاريخ 24 تموز 2012