القدس | دور بعض السياسيين البريطانيين في التأسيس عقائدياً للصهيونية والدعم المادي الذي قدّموه لاحقاً شكّلا محور المحاضرة التي ألقاها إيلان بابيه منذ أيام في «معهد كنيون» في القدس تحت عنوان «ألبيون الغادر: التركة البريطانية في فلسطين». علماً أنّ «ألبيون» هو الاسم القديم للجزيرة البريطانية. المؤرخ الإسرائيلي المعروف بقراءته النقدية للأسطورة الصهيونية، بدأ محاضرته بالإشارة إلى أنّ «السياسة البريطانية تجاه فلسطين تشكلت في القرن التاسع عشر من خلال رؤيتين: الدينية للورد شافتسبري، والاستعمارية للورد هنري بالمرستون».
رأى الأستاذ في جامعة «إكستر» البريطانية ومدير «المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية» فيها أنّ «اللورد شافتسبري هو أبو عقيدة إعادة اليهود... ففي خطاباته ويومياته ورسائله، هناك الكثير من المبادئ والشعارات التي استعملتها الحركة الصهيونية». وسرد بابيه قصة اجتماع العشاء (عام 1839) بين المصلح الاجتماعي اللورد شافتسبري ووزير الخارجية آنذاك بالمرستون. في ذلك اللقاء، «حاول شافتسبري إقناعه بإعادة اليهود الى فلسطين، مستنداً إلى حجج دينية، لكن بالمرستون الاستعماري لم يقتنع. لذا، قدّم شافتسبري عام 1840 ورقة إلى بالمرستون من ثلاثين صفحة مليئة بالفبركات والأساطير، جاء فيها أن جميع اليهود في أوروبا يريدون العودة الى فلسطين، وأن اليهود هم شعب مستقل منبوذ، وأنّ إعادتهم إلى فلسطين ستؤدي إلى عودة المسيح وخلاص البشرية».
وأشار صاحب «التطهير العرقي في فلسطين» إلى اقتباسات أُخرى من اللورد شافتسبري، تدل على وضعه أُسس العقيدة الصهيونية في كتاباته، ومنها الرسالة التي بعثها أثناء حرب القرم عام 1853 إلى رئيس الوزراء البريطاني أبردين يقول فيها: «إن سوريا الكبرى هي بلد بلا شعب في حاجة إلى شعب بلا بلد، هل هناك أمر كهذا؟ بالتأكيد هنالك الأسياد القدماء والشرعيون للأرض: اليهود». وذكر بابيه أن «الحركة الصهيونية قد طوّرت كلامه، وصاغت منه شعارها الشهير «شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب»». وشدّد بابيه على أن «حافز بريطانيا لاحتلال فلسطين كان موجوداً قبل احتلالها عام 1917، وقبل ظهور الحركة الصهيونية ذاتها»، مستعيداً بعض أسماء الكتّاب البريطانيين الذين كتبوا عن «إعادة الشعب اليهودي إلى فلسطين» مثل توماس برايتمان والسير هنري فينش.
وخلص بابيه في محاضرته إلى أنّه «من دون الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، ما كان للصهيونية أن تظهر في أرض فلسطين... القول إن يهود أوروبا كانوا يتحكمون في الامبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر، هو كلام غير دقيق؛ اليهود كانوا غير منظمين وضعفاء. والحقيقة أنّه لما لعب النمساوي الألماني هرتزل دور مؤسس الحركة الصهيونية لولا مصادفة التاريخ كما يقول ميشال فوكو، وموازين القوى التي كانت تدعم الصهيونية».