القاهرة | خطة متعمدة لسرقة وقت الإنسان،‏ وحرمان الأمة من ثمرة «تحقيق التقوى» في رمضان. هكذا فسّر المرشد العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين» محمد بديع الكمّ الهائل من المسلسلات المصرية التي تُعرض على شاشات التلفزيون في شهر الصوم. وتساءل بديع في رسالته الأسبوعية الأخيرة: «هل يُعقل أن يعدّ لشهر رمضان 70 مسلسلاً؟»، و«من أين يأتي الصائم بوقت لمتابعة كل هذا؟».
هجوم مرشد «الإخوان المسلمين» على الوسط الفني كان مفاجئاً، خصوصاً أنّ الجماعة الإسلامية حرصت في الأشهر الماضية على طمأنة أهل الفن إلى أنّ التعصّب لن يطاردهم حتى لو وصل مرشحهم ــ حينها ــ محمد مرسي إلى رئاسة مصر. لكنّ المفاجأة الأكبر تمثلت في أنّ الهجوم يشنّه هذه المرة الرأس الأكبر في الجماعة، وهو الشخص الذي يعتبره مناهضو حكم «الإخوان» رئيساً فعلياً للبلاد، لما يتمتع به من سلطة روحية على أعضاء جماعته، بمن في ذلك رئيس الجمهورية المنتخب. ليس هذا فقط. ما احتوته رسالة بديع كان شاملاً للمرة الأولى، فالرجل لم ينتقد مسلسلات محدّدة قد تكون تجاوزت «الخطوط الحمراء» من وجهة نظر الجماعة، بل هاجم الإنتاج الكثيف للدراما المصرية، وهو ما يوافق رأي الجمهور... لكن مع فارق كبير في الرؤيتين. يقول الناس إنّ الوقت لا يكفي لمتابعة كل هذه المسلسلات، وإنّهم قد يتابعون بعد رمضان ما لم يتابعوه في هذا الشهر. لكن بديع يرى أن كثرة المسلسلات تتعارض مع «مشروع التقوى»، وهو مصطلح جديد يستخدمه «الإخوان المسلمون» للمرة الأولى، إذ ركزت الجماعة طيلة الانتخابات الرئاسية على مصطلح «مشروع النهضة». لكنّ المصطلح الأخير توارى أمام تخبّط القرارات السياسية للرئيس المنتخب، ليخرج علينا المرشد منظّراً في الدراما، وناسياً الأسعار الملتهبة للسلع في الأسواق المصرية، والزحام المروري، والكثير من القضايا الأخرى.
ويبدو أنّ رسالة بديع أحرجت نقيب الممثلين المصريين أشرف عبد الغفور على وجه التحديد. قبل أشهر، ذهب عبد الغفور إلى المرشد مطالباً الجماعة بالانفتاح على الفن وأهله في حال وصلت إلى الحكم. وبالفعل، حصل عبد الغفور على ما يريده من وعود... لكنّها ذهبت أدراج الرياح مع رسالة المرشد التي نشرها كالعادة على الموقع الرسمي للجماعة الإسلامية.
ثمة تساؤل مهم: إذا مُنعت المسلسلات نهائياًَ في مصر، فهل سيزداد عدد المصلين في المساجد؟ «يملك» الإجابة عن هذا السؤال مرشد الجماعة الذي يعرف أنّ الآلاف من المصريين يجلسون في المقاهي، ويشاهدون المسلسلات، بينما يؤدي الآخرون صلاة التراويح. هل يجب إذاً إغلاق تلك المقاهي على الطريقة السعودية؟ في رمضان 2010، توعّدت الحركة بالرد بمسلسل وفيلم على مسلسل «الجماعة» (إخراج محمد ياسين) الذي كتبه وحيد حامد عن مؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنا. اليوم، وصل الإخوان إلى الحكم، وبات بإمكانهم الرد، لكنهم لم يفعلوا حتى الآن... ربما لأنّ ذلك يتعارض مع «مشروع التقوى»!