القاهرة | «مكوجي حرق قميص أحد زبائنه». حدث قد يكون عادياً إن جرى في أي منطقة في العالم، لكن إن كان هذا المكوجي قبطياً وصاحب القميص المحترق مسلماً، فإن هذا الحدث سيكون له طابع مختلف في مصر؛ فهو سيكون كفيلاً في إشعال فتنة طائفية واندلاع «معارك» أهلية وافية كي تُسقط عدداً من القتلى والمصابين، وتهجر أكثر 120 أسرة مسيحية إلى خارج القرية. هذا ما تعيشه بالفعل قرية دهشور، إحدى قرى محافظة الجيزة في جنوب مصر، منذ أيام، لتشهد مصر من خلالها أول فتنة طائفية في ظل رئاسة أول رئيس منتخب من خلفية إسلامية. ومثل أي أحداث طائفية، تبدأ مع وجود مشكلة صغيرة طرفاها مسلم ومسيحي، ويُسهم الاحتقان الطائفي في انفجارها، بدأت أحداث دهشور قبل 5 أيام بمشادة كلامية بين مكوجي قبطي وأحد زبائنه وهو مسلم، بعدما أحرق الأول قميص الثاني من دون قصد.
على أثر ذلك، اندلعت مشادة كلامية بين الرجلين، ما لبثت أن تطورت إلى مشاجرة عنيفة باستخدام زجاجات المولوتوف الحارقة والأسلحة البيضاء، ما أدى إلى إصابة 4 أشخاص إصابات بالغة وحرق بيت المكوجي. وفي زحمة المشادات، أُلقيت زجاجة مولوتوف في الشارع، فأصابت أحد المارة وهو مسلم يدعى معاذ، ما أدى إلى إصابته بحروق من الدرجة الثالثة، ما لبث أن لفظ على أثرها أنفاسه الأخيرة في مستشفى تابع للقوات المسلحة، وهو ما كان له عظيم الأثر في تطور الاشتباكات، ولتتحول المشادة إلى أحداث فتنة طائفية. بعد مقتل المسلم، هجم المسلمون في القرية على منازل الأقباط وكنيسة مار جرجس وسلبوا محتوياتها، قبل أن يحاولوا إضرام النيران فيها، إلا أنّ القوات الأمنية حاولت ثنيهم عن ذلك، وهو ما دفع مسلمي القرية إلى الاشتباك أيضاً مع القوات الأمنية.
وقال قسيس كنيسة مار جرجس في دهشور، القمص تكلا عبد السيد خليل، لصحيفة «التحرير»، إنه «هُجِّر ما يزيد على 500 مواطن قبطي من القرية مساء الاثنين بناءً على تعليمات أمنية، وذلك قبل إعلان خبر مقتل الشاب المسلم، بعدما أُثيرت شائعات داخل القرية عن أن عدداً من الشباب سيُحرق جميع بيوت الأقباط فور شيوع خبر وفاة الشاب المسلم»، مضيفاً أن «قوات الأمن طلبت مني مغادرة الكنيسة والقرية والعودة إليها بعد استقرار الأوضاع، واصطحبتني قوة أمنية من الكنيسة إلى خارج القرية نهائياً». ولفت إلى أن «الأمن يعمل على إرضاء المسلمين فقط من دون أي عزاء للقانون».
وأصدرت مطرانية الجيزة بياناً طالبت فيه بعودة المسيحيين إلى منازلهم، وخاصة أنه لا مبرر لإبعادهم، وما حدث كله هو خناقة بين شاب مسيحي مكوجي وآخر مسلم. وأكدت أنها تطلب تعويضات من الدولة عن الخسائر الجسيمة التي لحقت بمبنى الكنيسة ومحالّ المسيحيين في القرية.
تهجير جميع الأقباط من القرية خوفاً من تعدّي المسلمين عليهم هو محاولة عادية من النظام للسيطرة على الأحداث وتهدئتها، بدلاً من التصدي للمشكلة والقبض على كل من أسهم في تفاقمها. ويُحيل المحامي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحاق إبراهيم، أسباب اندلاع الفتن الطائفية بين الحين والآخر في المجتمع المصري، إلى أن «النظام السابق والحالي هو المسؤول الوحيد عن تزايد أعمال عنف الطائفي في المجتمع المصري، وذلك عبر إغفال تنفيذ القانون وتطبيقه على المخطئ، سواء أكان مسلماً أم مسيحياً واتباع الطريق السهل بمعاقبة الأقباط وتهجيرهم من منازلهم لحل المشكلة ظاهرياً».
ويضيف إبراهيم أن «تغير القيادة السياسية في البلاد وقيام الثورة على الظلم، الذي واجهه المسلمون والمسيحيون معاً من نظام حسني مبارك، لم تحل دون تكرار حوادث الفتنة الطائفية، التي عمل الأخير على تزكيتها لتحقيق هدفه في إلهاء الشعب عن المطالبة بحقوقه». ويتابع: «بل إن الإحصائيات تؤكد تزايد أحداث الفتنة الطائفية في مصر كمّاً وكيفاً بعد قيام الثورة».
وحسب إبراهيم، فإن وجود رئيس إخواني يعمل وفقاً للشريعة للإسلامية، التي تشدد على حقوق أهل الذمة، سواء كانوا أقباطاً أو حتى يهوداً، وتلزم المسلمين حمايتهم لم يكن لها تأثير يذكر على احتواء أزمة دهشور على اعتبار أنها أول اختبار يخضع له مرسي، مبرراً أن «مرسي لم يتدخل لحل الأزمة، فلم يصدر قراراً بإعمال القانون مثلاً أو القبض على المسلمين والمسيحيين المسببين في الحادث وتعويض المتضررين من الجانبين، بل عالجت قوات الأمن كعادتها الأحداث بالقصاص من الأقباط بإلقاء القبض على مجموعة منهم فقط في محاولة للتهدئة، وهجّرت الباقين».
من جهته، توقع المفكر العلماني، جمال أسعد، ازدياد حوادث العنف الطائفي خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن «الاشتباكات الدائرة في البدرشين متوقعة، ولن تكون الأخيرة؛ فالمناخ لا يزال طائفياً، ولم يتغير بعد ثورة «25 يناير»، حيث استمرت التراكمات الطائفية في الازدياد». وطالب مرسي وجماعته بالابتعاد عن الدستور والتفرغ لحلّ جميع أزمات مصر بالتوافق الاجتماعي.
رأي الأسعد اتفق معه مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، محمد ذراع، الذي أوضح أن الأزمة الطائفية لم تغب قط عن المشهد المصري؛ فهي مشكلة موجودة ومرشحة للتصاعد بقوة خلال الأيام المقبلة، مضيفاً أن نجاح تجربة الرئيس الإخواني مرتبطة بقدرته على إخماد البركان الطائفي الذي قارب على الفوران والانفجار، وهو يطلق حممه بين الحين والآخر. ولفت إلى أن النظام السابق كان يعمل على زيادة الاحتقان الطائفي ليتذرع به في استمرار حالة الطوارئ، لكن لا مبرر لمرسي لاستمراره حسب ذراع، خالصاً إلى أن «أول طريق التصدي للمشاكل الطائفية هو محاسبة كل مخطئ بغض النظر عن ديانته».
بدوره، نعى حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، الشاب معاذ محمد. وطالب صباحي، فى تدوينة له على حسابه الشخصي على موقع «تويتر»، بمواجهة حاسمة لعلاج الفتنة التى تجذرت عبر سنوات طويلة نتيجة دفن الرؤوس في الرمال والاكتفاء بعلاج الظواهر دون الأسباب. وكتب: «رحم الله الشاب معاذ محمد شهيد أحداث دهشور. أدعو المسلمين والمسيحيين للتوحد والتكاتف لحماية أرواحهم وممتلكاتهم ودور عباداتهم. الدم المصري حرام». وأضاف: «أحداث دهشور تؤكد أن مصر بحاجة إلى علاج جاد لتراكم بذور الفتنة وإجراءات سريعة تؤكد شراكة كل المصريين في وطنهم وترسخ قيم التسامح والعدل والمحبة».